في حادثة أثارت القلق في الأوساط الاجتماعية والدينية، شهدت مناطق في ريف دمشق والعاصمة حوادث متلاحقة استهدفت كنائس مسيحية خلال ساعات متقاربة، ما فتح باب التساؤلات حول دوافعها والجهات التي تقف وراءها، في وقت تشهد فيه البلاد مرحلة حساسة من إعادة ترتيب المشهد الأمني بعد سقوط النظام السابق.
فبعد يوم واحد من اقتحام كنيسة كيرلس في حي القصاع وسط دمشق، استيقظ سكان بلدة معرة صيدنايا على كتابات تهديدية وعبارات طائفية على جدران كنيسة مار إلياس، في مشهد أثار استياءً واسعًا وقلقًا متزايدًا على مستقبل السلم الأهلي.
العبارات التي كُتبت حملت دلالات دينية متشددة من قبيل “نصارى كفار لا إله إلا الله” و“بعد مار إلياس في دويلعة.. مار إلياس في معرة”، ما دفع السلطات المحلية إلى تشديد الحراسة حول عدد من الكنائس في المنطقة.
في حادثة القصاع، تمكن شخص مجهول – وفق روايات محلية – من التسلل فجر الخميس إلى داخل كنيسة كيرلس بعد أن قفز من فوق السور لتفادي كاميرات المراقبة. وبعد دخوله، قام بكتابة عبارات تهديدية على الجدران، إضافة إلى تحطيم تمثال داخل الكنيسة بواسطة حجر قبل أن يلوذ بالفرار. ولم تُسجّل إصابات بشرية، لكن الحادثة خلّفت صدمة لدى الأهالي ورجال الدين في الحي المعروف بتنوعه الطائفي وتاريخه الهادئ.
السلطات الانتقالية فتحت تحقيقًا في الحادثتين، وأكدت أن فرق الأمن تعمل على تحليل لقطات المراقبة وجمع الأدلة لتحديد هوية المنفذين، فيما دعت شخصيات دينية مسيحية إلى ضبط النفس وتجنب الانجرار وراء الاستفزازات، مشيرة إلى أن هذه الأفعال لا تمثل عموم المجتمع السوري ولا تعبّر عن اتجاه رسمي أو شعبي.
ورغم أن أصابع الاتهام وُجهت بداية إلى مجموعات متشددة، إلا أن عدداً من المراقبين حذروا من احتمال وجود طرف ثالث يسعى لإشعال فتنة بين المكونات الدينية في البلاد واستهداف العلاقة بين المسيحيين والإدارة الجديدة. فالتوقيت، وفق محللين، قد لا يكون مصادفة؛ إذ تأتي هذه الحوادث بالتزامن مع جهود رسمية لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمعات المحلية وتعزيز مفهوم المواطنة بعد مرحلة طويلة من الانقسام.
ويرى باحثون في الشأن السوري أن بعض الجهات المتضررة من التغييرات السياسية الأخيرة ربما تحاول استخدام الخطاب الطائفي وسيلة لخلط الأوراق، وإظهار الحكومة الانتقالية بمظهر العاجز عن حماية الأقليات الدينية. بينما يعتبر آخرون أن الحادثتين تحملان رسالة رمزية تهدف إلى بث الخوف وإرباك المجتمع أكثر من إحداث ضرر مادي مباشر.
في المقابل، عبّر عدد من سكان دمشق وريفها عن تضامنهم مع الطوائف المسيحية، مؤكدين رفضهم لأي محاولة لزرع الفتنة أو استهداف دور العبادة. كما دعا ناشطون على مواقع التواصل إلى التعامل مع الحوادث بالحكمة والشفافية، بعيدًا عن التعميم أو الاتهامات المسبقة.
ومع استمرار التحقيقات وعدم صدور نتائج رسمية حتى الآن، تبقى الأسئلة مفتوحة حول هوية الفاعلين الحقيقيين، وما إذا كانت هذه الأحداث مجرد حوادث فردية أو بداية لمحاولات منظمة لإثارة التوتر الديني في بلد يسعى للتعافي من سنوات الانقسام.