قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن السلطات في تل أبيب رصدت مؤخرًا ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود مع سوريا، محذّرة من أن هذا النشاط الذي يُوصف بأنه “جنائي منظم” قد يتحوّل إلى تهديد أمني واسع إذا لم تتم معالجته في وقت مبكر.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن منطقة الجولان السوري المحتل تشهد نشاطًا متزايدًا لشبكات تهريب تمتد من قرى سورية قريبة من الحدود، وصولًا إلى داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل. وتشمل هذه الأنشطة تهريب الأسلحة الخفيفة والذخائر والمخدرات وحتى الأموال النقدية، في عمليات توصف بأنها منظمة وتخضع لتنسيق بين أطراف متعددة على جانبي الحدود.
شبكات تهريب منظمة بطابع جنائي
ونقلت الصحيفة عن ضباط في الجيش والشرطة الإسرائيلية قولهم إن التحقيقات والعمليات الأمنية الأخيرة كشفت عن شبكات تهريب منظمة تضم مهربين وسماسرة ووسطاء، بعضهم من سكان الجولان المحتل. وأوضح الضباط أن ما بدأ قبل سنوات بعمليات تهريب بسيطة لأغراض تجارية، تطوّر اليوم إلى تجارة سلاح واسعة النطاق تغذي السوق السوداء داخل إسرائيل.
وقال قائد الكتيبة 7241 المشاركة في مراقبة الحدود مع سوريا، إن المهربين يستغلون ما وصفه بـ"الفراغ الأمني في الجانب السوري" الناتج عن سنوات الحرب الطويلة، حيث تنشط مجموعات محلية ومسلحة لأغراض مختلفة، ما أوجد بيئة خصبة للتهريب غير الشرعي.
وأضاف الضابط أن القوات الإسرائيلية تعمل على “احتواء هذه الأنشطة قبل أن تنتقل من كونها جنائية إلى تهديدات أمنية مباشرة”، مشيرًا إلى أن الجيش يسعى لتكثيف المراقبة على طول الحدود الشمالية تحسبًا لأي تطورات ميدانية أو عمليات تسلل مسلحة.
أساليب تهريب متنوعة
وأشارت “يديعوت أحرونوت” إلى أن الحدود مع سوريا تشهد تكرارًا لحوادث إلقاء حقائب أو عبوات عبر السياج الحدودي، حيث تلتقطها مجموعات تعمل داخل إسرائيل لإتمام عمليات النقل والتوزيع. وفي عدد من الحالات، تم ضبط متورطين بحوزتهم مبالغ مالية ومخدرات وأسلحة خفيفة.
وقال أحد الضباط الإسرائيليين للصحيفة إن الحدود الشمالية أصبحت أكثر هشاشة خلال العام الأخير، بسبب ما وصفه بـ"غياب السيطرة في الجانب السوري"، مضيفًا أن "الوضع الحالي يجمع بين النشاطات الجنائية والمخاطر الأمنية المحتملة".
وأشار ضابط آخر إلى أن “إلقاء أكياس تحتوي على أسلحة عبر السياج أصبح مشهدًا متكررًا، ومن الصعب أحيانًا التمييز بين المهرب والمسلح”، موضحًا أن “دروس هجوم السابع من أكتوبر دفعت الجيش الإسرائيلي إلى تعزيز المراقبة في القطاعات الشمالية وتغيير التكتيكات الميدانية للتعامل مع هذا النوع من التهديدات”.
تجارة مربحة ومخاوف أمنية
من جهته، قال رئيس وحدة مكافحة الجرائم الحدودية في الشرطة الإسرائيلية إن "التهريب عبر الحدود الشمالية تحول إلى تجارة مربحة للغاية"، مشيرًا إلى أن سعر السلاح داخل إسرائيل يفوق أضعافًا كثيرة سعره في الدول المجاورة، ما يجعل من عمليات التهريب نشاطًا مغريًا لشبكات الجريمة المنظمة.
وأوضح أن الشرطة والجيش “ينجحان في إحباط العديد من المحاولات، لكن ليس جميعها”، مضيفًا أن بعض المناطق الحدودية "ما تزال تفتقر إلى مراقبة كاملة أو عدد كافٍ من الدوريات"، الأمر الذي يتيح للمهربين استغلال الثغرات الأمنية.
الأرقام تكشف حجم الظاهرة
ووفق الأرقام التي أوردتها الصحيفة، تم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة رصد أكثر من 1400 محاولة تهريب عبر الحدود السورية والأردنية، شملت أسلحة ومخدرات ومبالغ مالية كبيرة. كما أشارت إلى أن بعض العصابات باتت تستخدم طائرات مسيّرة (درون) لنقل شحنات صغيرة من الأسلحة أو المخدرات لتجاوز الرقابة البرية.
وحذّرت التقارير العبرية من أن استمرار هذه الظاهرة دون معالجة قد يؤدي إلى تصعيد أمني في الشمال، في حال تحولت بعض شبكات التهريب إلى واجهات لنشاطات مسلحة أو مرتبطة بتنظيمات خارجية، خصوصًا مع تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد التحركات العسكرية الإسرائيلية في محيط الجولان.
مخاوف من امتداد الظاهرة
ويخشى مسؤولون أمنيون في إسرائيل من أن تتسع هذه الشبكات مستقبلاً لتشمل تهريب معدات عسكرية أو عناصر مسلحة، وليس فقط تجارة غير مشروعة. وأكدت الصحيفة أن الأجهزة الأمنية تنظر بجدية إلى إمكانية “اختراق” هذه الشبكات من قبل أطراف معادية قد تسعى لاستغلالها لتمرير أسلحة إلى داخل إسرائيل لتنفيذ عمليات أو تخريب البنية التحتية الأمنية.
وتشير التقديرات الأمنية إلى أن بعض هذه الشبكات تضم مزيجًا من المهربين المحليين والسكان المتعاونين عبر الحدود، وتعمل وفق آليات مالية معقدة تتضمن تحويل الأموال بطرق غير رسمية لتجنب التتبع، ما يجعل تفكيكها تحديًا كبيرًا أمام أجهزة الأمن.
جهود للسيطرة
تؤكد السلطات الإسرائيلية أن العمل جارٍ على تعزيز المراقبة التقنية على طول الحدود، من خلال تركيب كاميرات حرارية وأجهزة استشعار، إلى جانب زيادة عدد الدوريات المشتركة بين الجيش والشرطة ووحدات مكافحة التهريب.
كما يجري التعاون، وفق ما نقلته الصحيفة، بين أجهزة الأمن والنيابة العامة لفرض عقوبات مشددة على من يثبت تورطهم في تهريب السلاح، بهدف تقليص حجم السوق السوداء ومنع تحول الظاهرة إلى خطر أمني دائم على الداخل الإسرائيلي.