في تطور خطير يعكس توترًا غير مسبوق بين القاهرة وتل أبيب منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، كشفت وسائل إعلام عبرية أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف كاتس أصدر قرارًا بإعلان المنطقة الحدودية مع مصر "منطقة عسكرية مغلقة"، في خطوة وُصفت بأنها أداة ضغط سياسية وأمنية ضد القاهرة، تتجاوز الذرائع المتعلقة بمكافحة تهريب الطائرات المسيّرة.
وبحسب موقع "ناتسيف نت" الإسرائيلي، فإن القرار يأتي ضمن استراتيجية مزدوجة تجمع بين الردع العسكري والابتزاز الاقتصادي، بعد أن هدد وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين بعدم التصديق على اتفاق تصدير الغاز إلى مصر، البالغة قيمته نحو 35 مليار دولار، بهدف إجبار القاهرة على "العودة إلى التزاماتها الأمنية" في سيناء وفق التفاهمات الأمنية القديمة.
القاهرة ترد: السيادة المصرية "خط أحمر"
مصادر مصرية رسمية نفت بشكل قاطع تلقي أي إخطار رسمي من الجانب الإسرائيلي بشأن تعليق الاتفاق، مؤكدة أن مصر قادرة على تأمين احتياجاتها من الطاقة عبر بدائل وطنية وإقليمية.
وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إن القاهرة "أرسلت رسائل واضحة وحاسمة لإسرائيل"، مشددًا على أن الوجود العسكري المصري في سيناء لا يمثل خرقًا للاتفاقية، بل هو "جزء من الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، التي جرت بتنسيق تام مع إسرائيل وتحت رقابة الأمم المتحدة".
وأكد رشوان أن مراقبي الأمم المتحدة في سيناء يتابعون تطبيق بنود المعاهدة بدقة، ما يضمن الشفافية ويؤكد التزام مصر باتفاقاتها الدولية.
قراءة في الخطاب الإسرائيلي
وفي تصريحات صحفية يرى الخبير العسكري المصري اللواء د. وائل راضي الخطاب الإسرائيلي "يأتي في إطار حملة إعلامية تهدف إلى تصدير الأزمات الداخلية الإسرائيلية وخلق صورة عن خطر خارجي يعيد توحيد الجبهة الداخلية".
وأوضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يعتمد منذ عودته إلى الحكم على سياسة صناعة الأزمات الخارجية لتعزيز شعبيته المتراجعة داخليًا"، لافتًا إلى أن الصحف الإسرائيلية نفسها كشفت أن قرار تجميد اتفاق الغاز جاء بتوجيه مباشر من نتنياهو.
ويعتقد راضي أن القرار قد يرتد على إسرائيل نفسها، لأن مصر تمتلك أوراق قوة في ملف الطاقة الإقليمي، مؤكدًا أن القاهرة ليست الطرف الأضعف في هذه المعادلة.
أربعة أسباب تجعل القاهرة المستفيد الأكبر
وفق تحليل اللواء راضي، فإن تعليق اتفاق الغاز لا يُضعف مصر بل يعزز موقفها، للأسباب التالية:
1. مصر ليست معتمدة على الغاز الإسرائيلي، فهي مركز إقليمي للتجارة والتحويل في شرق المتوسط.
2. الغاز المصري يُصدّر إلى أوروبا وآسيا عبر محطات الإسالة، بينما يُعاد تصدير الغاز الإسرائيلي من خلالها فقط.
3. وقف التصدير يضر بالاقتصاد الإسرائيلي أكثر، لأنه يحرم تل أبيب من عائدات حيوية.
4. مرونة القاهرة في إدارة ملف الطاقة تمنحها قدرة على تجاوز أي ضغط سياسي أو اقتصادي.
تأثيرات اقتصادية داخل إسرائيل
من جانبه، أكد أسامة كمال، وزير البترول المصري الأسبق، أن الغاز الإسرائيلي لم يعد عاملًا مؤثرًا في ميزان الطاقة المصري، محذرًا من أن وقف التصدير سيخلق أزمة داخل إسرائيل نفسها بسبب اعتمادها المالي المتزايد على هذه الاتفاقيات.
وقال كمال إن الحكومة الإسرائيلية ستواجه انتقادات حادة داخل الكنيست، لأن التراجع عن الاتفاق سيُنظر إليه كفشل سياسي واقتصادي، مضيفًا أن القاهرة بنت استراتيجيتها على تنويع الشركاء الدوليين وتحويل نفسها إلى مركز محوري لنقل الطاقة من شرق المتوسط إلى أوروبا وآسيا.
أزمة تتجاوز الحدود
يصف مراقبون الأزمة الحالية بأنها أخطر اختبار للعلاقات المصرية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، إذ تفتح الباب أمام مراجعة واسعة للتوازنات الأمنية في سيناء، وتعيد طرح سؤال جوهري حول مدى استدامة السلام في ظل توتر المصالح الاقتصادية والسياسية.
ورغم محاولات تل أبيب استخدام ملف الغاز كورقة ضغط، يبدو أن القاهرة تتحرك بثقةٍ وهدوءٍ مستندةً إلى أوراق قوةٍ سياسية وجيوسياسية واقتصادية، تؤهلها لتجاوز الضغوط دون المساس بسيادتها أو مصالحها الوطنية.
بينما تُصر إسرائيل على أن نشاط الجيش المصري في سيناء "يخل بالتوازن الأمني"، تؤكد القاهرة أن أمنها القومي غير قابل للمساومة، وأن أي مساس بسيادتها سيقابل بإجراءات حازمة.
ومع تصاعد التوترات الأمنية والدبلوماسية، تتبدّى ملامح مرحلة جديدة في العلاقات المصرية–الإسرائيلية، حيث يتحول الغاز والطاقة إلى سلاحٍ سياسي في معركة النفوذ الإقليمي.