في وقت تتجه فيه الأنظار إلى الجنوب اللبناني الذي يشهد أعنف موجات التصعيد منذ اتفاق الهدنة في نوفمبر الماضي، تكشف المعطيات عن تحرك مصري مبكر استبق الهجوم الإسرائيلي، حاملاً تحذيرات واضحة من نية تل أبيب تفجير جبهة لبنان مجددًا.
ففي السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، وجه السفير المصري في بيروت علاء موسى تحذيرًا رسميًا من أن "الخروقات الإسرائيلية المتزايدة ضد لبنان من حيث الاتساع الجغرافي ونوعية الأهداف تستدعي تحركًا عاجلًا"، مشيرًا إلى أن ما يجري يتجاوز الطابع الاستفزازي المعتاد، ويمهد لعمليات واسعة النطاق.
تحرك استخباراتي مصري وتحذيرات ميدانية مبكرة
تبع التصريحات تحرك ميداني لافت تمثّل في زيارة وفد أمني مصري رفيع المستوى إلى بيروت، ضم مسؤولين من جهاز المخابرات العامة، حيث نقل الوفد ما وُصف بأنه "تحذيرات وتهديدات" بناءً على معلومات استخباراتية أكدت أن إسرائيل بصدد تنفيذ هجمات متزامنة ضد مواقع لحزب الله والفصائل الفلسطينية في الجنوب اللبناني.
وبحسب مصادر دبلوماسية تحدثت لـRT Arabic، فإن الجانب المصري أبلغ نظيره اللبناني بأن المؤشرات الميدانية تُظهر نية إسرائيلية واضحة لإعادة إشعال الصراع، في محاولة لنسف الترتيبات الأمنية المرتبطة بوقف إطلاق النار في غزة.
القاهرة بين الوساطة والتحذير
وفي سياق متصل، أكد اللواء أسامة كبير، المستشار بكلية القادة والأركان المصرية، أن الأسابيع التي سبقت التصعيد كانت تحمل إشارات واضحة إلى أن "إسرائيل تعيد تموضعها استعدادًا لجولة جديدة ضد لبنان".
وأشار الخبير العسكري إلى أن التحرك الإسرائيلي الأخير يأتي في أعقاب زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي إلى بيروت، توم براك، الذي حاول الضغط على السلطات اللبنانية لنزع سلاح حزب الله وسحب الأسلحة من الفصائل الفلسطينية، ما يُظهر – بحسب كبير – أن "واشنطن تمهّد لتغيير قواعد اللعبة شمال إسرائيل".
منع تثبيت الهدنة في غزة
يؤكد التحليل العسكري المصري أن التصعيد الإسرائيلي في لبنان ليس معزولًا عن الملف الغزّي، بل يهدف إلى منع تثبيت الهدنة الهشة التي وُقّعت برعاية مصرية وقطرية.
ويرى اللواء كبير أن "إسرائيل تحاول عبر توسيع الجبهة اللبنانية إطالة أمد المرحلة الأولى من الهدنة في غزة، ومنع الانتقال إلى المرحلة الثانية التي قد تتحول فيها الهدنة إلى اتفاق صلب".
هذا الطرح يتقاطع مع تقديرات أمنية إقليمية ترى أن فتح جبهة لبنان يمثل وسيلة إسرائيلية للضغط على المقاومة الفلسطينية ومنعها من استعادة قوتها الميدانية والسياسية.
الدور المصري: تهدئة مشروطة وتوازن دقيق
وبحسب ما نقلته مصادر لبنانية، فقد أبلغ مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد المسؤولين في بيروت استعداد القاهرة لـ"أي مسعى يريح الوضع اللبناني"، مع التأكيد على ضرورة التمسك بالموقف اللبناني الرافض للتفاوض تحت الضغط العسكري.
وأكدت القاهرة أنها تسعى لتنسيق مواقفها مع العواصم المعنية – خصوصًا واشنطن – لتفادي انزلاق الموقف نحو مواجهة مفتوحة، مشيرة إلى أن أي تسوية مقبلة يجب أن تراعي سيادة لبنان وتوازن الردع في الجنوب.
مصر كوسيط أمني في قلب العاصفة
يبرز التحرك المصري الأخير بوصفه أول تحذير عربي مباشر من تصعيد إسرائيلي في لبنان، ويؤشر إلى رغبة القاهرة في توسيع دورها كوسيط إقليمي لا يقتصر على الملف الغزّي.
وفي ظل استمرار الغارات الإسرائيلية وغياب مؤشرات التهدئة، يبدو أن بيروت والقاهرة تتحركان وفق معادلة دقيقة: ضبط الانفجار، دون القبول بإملاءات تسحب سلاح المقاومة أو تفرغ الهدنة من مضمونها.