في تحرك دبلوماسي لافت يعكس تبدّلًا تدريجيًا في الموقف الغربي من دمشق، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره السوري أحمد الشرع إلى الانضمام رسميًا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، وذلك عقب قرار مجلس الأمن الدولي شطب اسم الشرع من قوائم العقوبات الأممية.
وجاءت تصريحات ماكرون خلال لقائه الرئيس السوري على هامش مؤتمر المناخ المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية، حيث أكد أن “سوريا مدعوة لتكون شريكًا كاملًا وفعّالًا في حربنا ضد الجماعات الإرهابية في المنطقة”، مشيرًا إلى أن “التعاون الأمني بين باريس ودمشق يمثل ضرورة لحماية الفرنسيين”.
رمزية رفع العقوبات وتحوّل في المقاربة الغربية
وصف ماكرون قرار رفع العقوبات عن الشرع بأنه “رمزي”، لكنه أشار إلى أنه يمثل خطوة أولى نحو إعادة دمج سوريا في المنظومة الدولية، لا سيما قبل الزيارة المرتقبة للرئيس الشرع إلى البيت الأبيض يوم الإثنين المقبل.
ويرى مراقبون أن رفع العقوبات جاء كإشارة ضمنية من القوى الغربية لقبول التعامل مع القيادة السورية الجديدة ضمن إطار "المرحلة الانتقالية"، التي تركز على مكافحة الإرهاب وضبط الحدود ومكافحة تهريب المخدرات الذي تحوّل إلى ملف أمني إقليمي ضاغط.
ذاكرة الإرهاب والملف الأمني الفرنسي
ربط ماكرون بين التعاون مع دمشق وذكرى هجمات باريس في 13 نوفمبر 2015، التي قال إنها “دُبّرت في سوريا”، معتبرًا أن المسألة “تتعلق بالأمن القومي الفرنسي بالدرجة الأولى”.
وأضاف أن “اليوم يشكّل مرحلة مهمة”، مؤكداً أن قرار الأمم المتحدة “يُعدّ مصادقة على الاستراتيجية الفرنسية التي بدأت منذ سنوات لإعادة إشراك دمشق في منظومة مكافحة الإرهاب الإقليمي”.
باريس ودمشق.. نحو تعاون أمني مشروط؟
يأتي هذا الانفتاح الفرنسي في ظل تغيّرات ميدانية وسياسية في سوريا، وبعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية. إلا أن الدعوة الفرنسية، وفق خبراء، لا تعني بالضرورة عودة كاملة للعلاقات، بل تأسيس “قنوات أمنية” محدودة في إطار الحرب على “داعش” وبقية التنظيمات المتطرفة.
وتسعى باريس من خلال هذا التوجه إلى تحييد الساحة السورية عن الفوضى التي تهدد المصالح الغربية، خصوصًا مع تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية في البادية السورية وشرق الفرات، وتنامي النفوذ الإيراني هناك.
من العزلة إلى الشراكة المشروطة
يشكّل هذا التحرك الأوروبي مؤشرًا على أن النظام الدولي يتّجه نحو إعادة تعريف علاقته بدمشق، ليس انطلاقًا من القيم السياسية، بل من مقتضيات الأمن ومكافحة الإرهاب.
ومع اقتراب زيارة الشرع إلى واشنطن، يبدو أن ملف “إعادة دمج سوريا” بات بندًا مطروحًا على الطاولة الغربية، لكن بصيغة تعاون أمني مشروط لا تطبيع سياسي كامل.