كيف تؤثر الحسابات الداخلية والإقليمية على إعادة بناء الجنوب اللبناني؟
شهد اللقاء التنسيقي الأول لإعادة الإعمار في الجنوب تغيب عدد من وزراء الحكومة والقوى السياسية عن الحضور، ما يعكس الانقسام الداخلي حول إدارة هذا الملف الحيوي بعد العدوان الإسرائيلي الأخير. كشفت مصادر لوسائل إعلام محلية ، هذا الغياب لم يكن مجرد مسألة تنظيمية، بل يُظهر أن إعادة الإعمار أصبحت مرتبطة بتوازنات سياسية معقدة، تتجاوز الجوانب التقنية والمالية إلى حسابات تتعلق بالمصالح الداخلية والخارجية.
تعود خلفيات هذا الانقسام إلى التباينات في رؤية الأطراف اللبنانية لملف الجنوب، إذ يرى بعض الفاعلين السياسيين أن الإعمار يجب أن يتم وفق خطة وطنية شاملة تحمي مصالح السكان وتعزز الصمود، في حين يعتبر آخرون أن الملف أصبح أداة ضغط داخلية وإقليمية. وتبرز هذه الديناميات نتيجة العلاقات المتشابكة بين الحكومة اللبنانية، حزب الله، والمجتمع الدولي، لا سيما فيما يتعلق بموقف لبنان من إسرائيل ومسارات التفاوض حول الاستقرار الإقليمي.
على الصعيد المالي، تشير المصادر إلى أن التمويل والإشراف على مشاريع إعادة الإعمار محاطان بحساسية سياسية، إذ يُنظر إلى كل خطوة على أنها قد تُستغل لتعزيز نفوذ طرف على حساب آخر. ومن هنا، يبرز سبب مقاطعة بعض القوى للقاء التنسيقي، إذ يعتبرون أن القرار بخصوص المشاريع الرئيسية يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية وطنية واضحة، لا مجرد تنفيذ مشاريع شكلية تُدار وفق مصالح سياسية فئوية.
من الناحية التقنية، تواجه الدولة اللبنانية تحديات كبيرة في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، سواء بسبب البنية التحتية المتضررة أو الحاجة إلى تنسيق مع الجهات المحلية والدولية. كما أن الملفات الأمنية المرتبطة بالحدود الجنوبية تزيد من تعقيد أي تدخل حكومي مباشر، ما يجعل إدارة الإعمار مرتبطة بخطوات سياسية دقيقة.
في المحصّلة، يُظهر ملف إعادة الإعمار في الجنوب اللبناني أن عملية البناء بعد العدوان لا تقتصر على الجانب المادي فقط، بل تتداخل فيها اعتبارات سياسية وإقليمية وأمنية وبينما يواصل المجتمع الدولي تقديم الدعم والمقترحات، يبقى تحقيق تقدم ملموس مرتبطًا بقدرة الأطراف اللبنانية على اعتماد رؤية وطنية شاملة توازن بين المصالح الداخلية ومتطلبات الاستقرار الإقليمي، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة التي تعيق التنفيذ.
