في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ اندلاع الحرب السورية، كشفت وكالة "رويترز" عن استعداد الولايات المتحدة لتأسيس وجود عسكري في قاعدة جوية بالعاصمة دمشق، تمهيدًا لاتفاق أمني تسعى واشنطن من خلاله إلى فرض "تفاهمات عدم اعتداء" بين سوريا وإسرائيل، في إطار مشروع إعادة تشكيل المشهد الإقليمي تحت وصاية أمريكية مباشرة.
بحسب ستة مصادر مطلعة، من بينهم مسؤولون غربيون وسوريون، تجري التحضيرات بسرية لتفعيل القاعدة الجوية في موقع استراتيجي يربط العاصمة بالمناطق الجنوبية من البلاد، وهي المنطقة التي يتوقع أن تتحول إلى منطقة عازلة ضمن اتفاق "عدم اعتداء" يجري التفاوض عليه بوساطة أمريكية بين دمشق وتل أبيب.
ويبدو أن هذه التحركات تأتي في سياق خطة أمريكية أوسع لإعادة تموضع قواتها في سوريا بعد سنوات من التركيز في الشمال الشرقي إلى جانب "قوات سوريا الديمقراطية"، حيث تشير المعطيات إلى أن البنتاغون يسعى لتوسيع نطاق نفوذه من شرق الفرات إلى قلب العاصمة، تحت ذريعة "مراقبة تنفيذ الاتفاقات الأمنية ومكافحة تنظيم داعش".
مصادر سورية أكدت أن الجانب الأمريكي طلب استخدام القاعدة لأغراض لوجستية ومراقبة وتزويد بالوقود، على أن تبقى "السيادة السورية" شكلية، بينما تجري واشنطن استعداداتها التقنية والعسكرية منذ شهرين، وشوهدت طائرات نقل عسكرية أمريكية من طراز C-130 تهبط في القاعدة ضمن ما وُصف بأنه "اختبار فني".
هذه الخطوة، إذا ما تم تثبيتها رسميًا، تعني أن الولايات المتحدة تتحول من قوة احتلال في الأطراف إلى قوة وصاية في المركز، وهو ما يعيد إلى الأذهان تجربة العراق بعد عام 2003 حين أُنشئت قواعد أمريكية قرب بغداد تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب" قبل أن تتحول إلى أدوات للضغط السياسي والتحكم في القرار الوطني.
وفي المقابل، تسعى واشنطن لتسويق المشروع كـ"اتفاق استقرار" بين سوريا وإسرائيل، يضمن أمن الحدود ويكرّس واقع الهدنة الدائمة. فكما تراقب أمريكا اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل من الأراضي اللبنانية، ومفاوضات الهدنة بين تل أبيب و"حماس" من داخل إسرائيل، فإن وجودها في دمشق سيمنحها — وفق الرؤية الأمريكية — حق إدارة التوازنات بين محور المقاومة وإسرائيل من قلب العاصمة السورية.
اللافت أن الإعلان عن القاعدة يأتي بالتوازي مع استعداد الرئيس السوري أحمد الشرع للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض الأسبوع المقبل، في زيارة تاريخية قد تشكل نقطة تحول في موقع سوريا الإقليمي، لكنّها أيضًا تثير مخاوف من تطبيع أمني مقنّع مع إسرائيل بضغط أمريكي.
منذ أشهر، تعمل إدارة ترامب على هندسة اتفاق أمني شامل بين دمشق وتل أبيب، كان من المقرر الإعلان عنه خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، لكنه تعثر في اللحظات الأخيرة. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن واشنطن تمارس ضغوطًا مكثفة على القيادة السورية لإنجاز الاتفاق قبل نهاية العام، مستغلةً الظروف الاقتصادية الخانقة والعزلة السياسية المفروضة على دمشق.
وفي حال مضت الخطط قدمًا، فإن سوريا ستجد نفسها أمام تحدٍ وجودي: بين قبول وجود عسكري أمريكي دائم في قلب العاصمة، أو مواجهة تصعيد اقتصادي وسياسي جديد.
وبذلك، يتحول ما تسميه واشنطن "اتفاق استقرار" إلى شرعنة لوجود عسكري أجنبي جديد، وتدشين مرحلة ما بعد الحرب على حساب سيادة دمشق، واستقلال قرارها، وقضية فلسطين التي ظلت محور الموقف السوري لعقود.
القاعدة الأمريكية في دمشق — إن أُنشئت — لن تكون مجرد موقع عسكري، بل نقطة ارتكاز لمشروع سياسي أمريكي–إسرائيلي جديد يسعى لإعادة رسم حدود الصراع في المشرق. وبينما تتحدث واشنطن عن "سوريا مستقرة تعيش بسلام مع جيرانها"، فإن المعنى الحقيقي هو سوريا مقيّدة أمنياً ومطوّقة سياسياً، في مشهد يعيد إنتاج الهيمنة الغربية تحت غطاء "الاتفاقات الأمنية".