في خطوة جديدة تعكس تصعيداً ميدانياً وسياسياً متواصلاً، توغلت قوة إسرائيلية صباح السبت في ريف القنيطرة الشمالي، داخل الأراضي السورية المحاذية للجولان المحتل، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وأشارت التقارير إلى أن القوة المكونة من دبابتين وأربع آليات عسكرية أقامت حاجزاً مؤقتاً في بلدة جباتا الخشب على الطريق الواصل إلى عين البيضا، واعتقلت عدداً من العاملين السوريين في المحجر المحلي، قبل أن تعيد انتشارها في المنطقة.
انتهاك مباشر لاتفاقية فصل القوات
هذا التوغل، الذي يأتي بعد سلسلة عمليات مماثلة خلال الأسابيع الأخيرة، وصفته وزارة الخارجية السورية بأنه "انتهاك صارخ لاتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974 بين سوريا وإسرائيل"، مشيرة إلى أن تل أبيب "تتعمد اختبار قدرة دمشق على الرد في مرحلة إقليمية حساسة تشهد إعادة تموضع شامل للقوى الفاعلة في الميدان السوري".
وأكد البيان الصادر عن الخارجية عبر منصة "إكس" أن هذه التحركات "لن تثني سوريا عن الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها"، داعياً المجتمع الدولي إلى "التحرك الفوري لوقف الممارسات الإسرائيلية العدوانية".
تصعيد ميداني بعد سقوط الأسد
منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وصعود الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة، تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية بصورة ملحوظة.
وكشف الشرع في تصريح سابق أن الجيش الإسرائيلي نفذ أكثر من 1000 غارة جوية و400 توغّل بري خلال أقل من عام، مستهدفاً مواقع عسكرية سورية وأخرى تابعة للفصائل الحليفة لدمشق.
إسرائيل باتت تعتبر الحدود السورية "ساحة مفتوحة" بعد التغيّرات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد، مستفيدة من انشغال دمشق بإعادة ترتيب مؤسساتها الأمنية والعسكرية في مرحلة ما بعد الأسد.
معاناة المدنيين وتدمير الأراضي الزراعية
ميدانياً، نقلت وسائل إعلام سورية عن سكان ريف القنيطرة أن الجيش الإسرائيلي دمر خلال الأشهر الأخيرة مئات الدونمات من الأراضي الزراعية والغابات، وأقام نقاط مراقبة مؤقتة قرب مصادر المياه والطرق الزراعية.
وأكد الأهالي أن هذه التوغلات المتكررة تعطل حركة المزارعين وتؤثر على مصدر رزقهم الوحيد، في حين تواصل القوات الإسرائيلية اعتقال مدنيين بحجة "التعامل مع جماعات متطرفة"، وهو ما تعتبره دمشق ذريعة لشرعنة الاعتداءات المتكررة.
تعود اتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974، برعاية الأمم المتحدة، إلى ما بعد حرب أكتوبر، ونصّت على إقامة منطقة عازلة تشرف عليها قوات الأمم المتحدة (UNDOF).
إلا أن إسرائيل، وفق الخبراء، انتهكت الاتفاق أكثر من أي وقت مضى خلال العامين الأخيرين، مستغلة انشغال الأمم المتحدة بأزمات غزة ولبنان والسودان.
ويرى محللون أن استمرار هذه الخروقات يفتح الباب أمام تبدّل قواعد الاشتباك التقليدية في الجولان.
ج
التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة لم تعد مجرد تحركات حدودية محدودة، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية ممنهجة لإعادة رسم خطوط التماس في الجنوب السوري وتثبيت وقائع ميدانية جديدة على حساب سيادة دمشق.
وفي ظل التواطؤ الدولي وصمت مجلس الأمن، يبدو أن تل أبيب تراهن على غياب الرد العسكري السوري المباشر، لكنها تخاطر في المقابل بإعادة إشعال الجبهة الشمالية الممتدة من غزة إلى الجولان، حيث لا يمكن التنبؤ بمتى ولا كيف سيكون الرد.