تتسارع وتيرة الانهيار في السودان مع اتساع رقعة المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، بينما تكشف صور الأقمار الصناعية عن فظائع جديدة في دارفور وصمت دولي يقترب من التواطؤ.
ففي الوقت الذي يتجه فيه الخطر نحو مدينة الأبيض، مركز التوازن العسكري في كردفان، أعلنت جامعة ييل الأميركية عن صور فضائية لمقابر جماعية قرب مدينة الفاشر، ووصفتها بأنها تذكّر بـ"الإبادة الجماعية في رواندا"، في مقارنة قاسية تكشف حجم الانتهاكات التي تشهدها دارفور منذ سقوط الفاشر بيد الدعم السريع.
مجازر تحت الصمت.. دارفور تبتلع مدنها
بحسب صور الأقمار الصناعية، فإن حجم القتل الذي شهدته الفاشر خلال الأسبوع الأخير فاق أي موجة عنف سابقة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وتشير التقديرات إلى أن المقابر الجماعية التي ظهرت في شمال المدينة تضم مئات الجثث، معظمها لمدنيين.
وفي الوقت ذاته، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) مقتل ما لا يقل عن 40 شخصًا وإصابة آخرين في هجوم استهدف تجمع عزاء بمدينة الأبيض، دون تحديد الجهة المسؤولة. وأشار المكتب إلى أن الوضع في كردفان "يواصل التدهور بسرعة خطيرة".
الجيش يرفض الوساطة الأميركية ويعلن التعبئة العامة
في المقابل، أعلن الجيش السوداني رفضه مقترحًا أميركيًا لوقف إطلاق النار، بعد اجتماع طارئ لمجلس الدفاع السوداني برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وجاء في بيان رسمي أن المجلس "يقدّر جهود الولايات المتحدة لإنهاء الصراع"، لكنه قرر مواصلة القتال حتى القضاء على الميليشيات المتمردة، مؤكدًا على "تعبئة الشعب السوداني دعمًا للقوات المسلحة".
ويُنظر إلى هذا الرفض بوصفه رسالة تحدٍ مزدوجة، أولاً تجاه الضغوط الغربية، وثانيًا باتجاه الدعم السريع الذي يسعى لتوسيع نفوذه في كردفان بعد فرض سيطرته شبه الكاملة على شمال دارفور.
الأبيض.. معركة الحسم القادمة
تشير المعطيات الميدانية إلى أن مدينة الأبيض تمثل نقطة مفصلية في ميزان القوى العسكري، كونها تربط وسط السودان بغربه، وسقوطها سيعني عمليًا قطع الإمداد عن الجيش في دارفور.
قوات الدعم السريع سيطرت بالفعل على مدينة بارا، ثاني أكبر مدن الولاية، وعلى منطقة كازقيل التي تبعد 45 كلم فقط من الأبيض، ما جعل المدينة تحت تهديد مباشر.
الجيش من جانبه أعلن عن تقدم مضاد نحو الأبيض لمنع سقوطها، في وقت تؤكد فيه مصادر ميدانية أن القتال بات على مشارف المدينة، وسط قصف جوي متبادل وضربات عشوائية تطال المدنيين.
مأساة إنسانية تتسع
يدخل سكان الفاشر يومهم الحادي عشر تحت سيطرة الدعم السريع وسط كارثة إنسانية خانقة:
آلاف المدنيين محاصرون دون غذاء أو دواء.
المنظمات الدولية عاجزة عن الدخول.
انتشار للأوبئة ونقص حاد في المياه الصالحة للشرب.
وفي منطقة طويلة شمال غرب الفاشر، تحولت البلدة إلى مخيم ضخم للنزوح يستقبل موجات متتالية من الفارين من القتال.
وقال محمد عبد الرحمن الناير، المتحدث باسم حركة جيش تحرير السودان، إن "محلية طويلة استقبلت أكثر من مليون نازح"، مؤكداً أن الحركة ما تزال "محايدة بين طرفي الحرب"، لكنها تواجه ضغطًا هائلًا لتوفير المأوى والمساعدة للمدنيين.
صراع بلا أفق
يرى خبر أن رفض الجيش السوداني الوساطة الأميركية يعني أن الحل السياسي يبتعد أكثر، وأن البلاد تتجه نحو حرب استنزاف طويلة الأمد، خاصة بعد انتقال المعارك إلى كردفان، المنطقة التي تربط غرب السودان بالعاصمة.
في المقابل، يواصل الدعم السريع استخدام سيطرته على دارفور كورقة ضغط سياسية، في حين يزداد الطابع العرقي والمناطقي للصراع خطورة، مع تحذيرات منظمات حقوقية من "تكرار سيناريو رواندا" في غرب السودان.
السودان أمام اختبار البقاء
تتسع المأساة السودانية كل يوم، وتتعاظم المقابر الجماعية في غياب الإرادة الدولية للردع أو التدخل. وبينما يحشد الجيش أنصاره تحت شعار "التعبئة العامة"، تتمدد قوات الدعم السريع في الجغرافيا السودانية، لتبقى البلاد عالقة بين حرب مفتوحة وإبادة تتكشف فصولها من السماء عبر صور الأقمار الصناعية.