بعد سقوط النظام الرسمي في سوريا في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وعقد مؤتمر يُعرف بـ «مؤتمر النصر» في 29 كانون الثاني/يناير الماضي، ومع حلِّ الجيش بشكل رسمي، بدأت الفصائل العسكرية التي أطاحت بحكم بشار الأسد ضمن معركة «ردع العدوان» تشكّل مؤسّسة عسكرية موحّدة. وهذه المؤسسة يُشرف عليها مرهف أبو قصرة (اللواء) بصفته وزير الدفاع، الذي دخل على الخطّ ليجمع مختلف الفصائل ضمن بنيّة واحدة.
أجرت وزارة الدفاع بعد تشكيلها سلسلة لقاءات مع نحو 130 فصيلاً ووحدة عسكرية بغرض إلغاء المسميات الفردية ودمجها تحت مظلة واحدة، فتشكّل ما يُعرف بـ 25 فرقة عسكرية موزّعة على الجغرافيا السورية. وبحسب بيانات رصدتها مواقع إخبارية وتحليلات مراكز دراسية، تم تحديد على الأقل 21 فرقة تُشغّل في 10 محافظات سورية.
دمشق وريفها: مركز الفرق الحضرية
في العاصمة دمشق وريفها، تتركّز ثلاث فرق رئيسية. الأولى هي الفرقة 90 المنتشرة في العاصمة، التي لا يضمّها الحرس الجمهوري القديم لكن يُنظر إليها على أنها تشكّل نواة لقوات مشابهة لحفظ العاصمة. وتُشير المصادر إلى أن العميد عبد الرحمن حسين الخطيب («أبو حسين الأردني») يقودها، وهو أردني من أصول فلسطينية، كان أحد القيادات البارزة في هيئة تحرير الشام.
في ريف دمشق هناك فرقتان: الفرقة 70 بقيادة العميد عمر جفتشي («مختار التركي») الذي يحمل جنسية تركية، وتضم عناصر من فصائل «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» و«فيلق المجد» و«جيش سوريا الحرة». وتُنفّذ عمليات تمشيط ومداهمة في الصحراء المحاذية للعاصمة. كذلك توجد الفرقة 44 في منطقتي الكسوة والزبداني، وقد سبق واستُهدِفت مقارّها من الطيران الإسرائيلي، وظهرت نشاطات لها داخل السويداء أيضاً.
شمالاً – محافظتا حلب وإدلب
في محافظة حلب شمالي سوريا، تعمل أربع فرق رئيسية: الفرقة 60 (قيادتها العميد عواد الجاسم «أبو قتيبة المنبجي») والنائب قائدها العميد مضر نجار، والفرقة 76 بقيادة العميد سيف الدين بولاد «أبو بكر»، والفرقة 72 التي تضم عناصر من فصائل متعددة وقد يُقودها «خطاب الألباني»، وأخيراً الفرقة 80 بقيادة العقيد خالد العمر.
في محافظة إدلب، تُوجَد الفرقة 64 بقيادة محمد غريب («أبو أسيد حوران») من فصائل «فيلق الشام»، وأيضاً الفرقة 82 بقيادة العميد خالد الحلبي («أبو خطاب») الذي كان قائداً لفصيل «أنصار التوحيد».
وسط البلاد: حمص وحماة
في حمص تتواجد الفرقة 52 بقيادة العميد هيثم العلي، وهي تنشط عند الحدود السورية-اللبنانية، وكذلك الفرقة 42 في منطقة تدمر بقيادة العقيد رائد عرب، مع ترددات عن فرقة مدرّعة أخرى هي الفرقة 118.
في محافظة حماة توجد أربع فرق أيضاً، أبرزها الفرقة 62 بقيادة العميد محمد الجاسم («أبو عمشة»)، والذي كان في «فرقة السلطان سليمان شاه» سابقاً، إضافة إلى الفرقة 54 بقيادة العميد حسين عبد الله العبيد («أبو صهيب») التي نُشِطت خارج المحافظة أيضاً، والفرقة 74 بقيادة العميد جميل الصالح، والفرقة 98 وهي فرقة مدرّعات.
الجنوب والشرقيات
في محافظة درعا، توجد الفرقة 40 بقيادة العقيد بنيان الحريري، وهو قائد سابق في «حركة أحرار الشام».
في دير الزور تتواجد فرقتان: الفرقة 66 بقيادة العميد أحمد المحمد، والفرقة 86 بقيادة أحمد الهايس («أبو حاتم شقرا») الذي سبق وأن خضع لعقوبات أمريكية واتُّهِم بانتهاكات لحقوق الإنسان.
في اللاذقية توجد الفرقة 50 نشطة في حملات إزالة الالغام وملاحقة «الفلول»، والفرقة 84 التي تضم قوات خاصة وألوية مدرّعات، أما في طرطوس فتوجد الفرقة 56 بقيادة العميد منير الشيخ، وهي تشارك في مداهمات ضد «الخارجين عن القانون».
كيف تسير القيادة والتوزيع؟
تُعدّ هذه التوزيعة العسكرية جزءًا من الجهد الذي تقوم به وزارة الدفاع في وضع إطار مؤسّسي للجيش الجديد، بعد دمج مئات الفصائل والوحدات، وفقاً لتقارير ومراكز بحثية متخصصة. يُشير تحليل إلى أن أكثر من 70 فصيلاً في عدة مناطق قد «وافق» نظرياً على الاندماج في هيكل واحد، بينما ما زالت بعض الفصائل، لا سيّما في جنوب سوريا أو بين الـّأكراد، تحتفظ بخاصّيتها أو تتفاوض بشروط خاصة.
والسؤال: هل القيادة الحقيقية بيد دمشق مركزياً، أم أن الأمر لا يزال خاضعًا لبنى تحتية فصائلية وظلالية؟ الواقع يشير إلى أن العديد من القادة الفعليّين كانوا منتمين سابقًا للفصائل المقاتلة، وتمت ترقيتهم ضمن قائمة الترقيات الصادرة في نهاية 2024. كما أن هناك سياسات لترقية الضباط الحاصلين على تعليم داخلي أو لديهم خبرة فصائلية.
ما الذي يعنيه هذا الواقع؟
الهيكلة الإقليمية: التوزيع الجغرافي للفرق يعني محاولة إشراك كلّ محافظة تقريبًا في منظومة الجيش الجديد، مع محاولة السيطرة الأمنية والضبط المركزي.
القيادة الفعلية: الكثير من القيادات الحاضرة هي من المنشقّين أو القادة السابقين للفصائل، ما يطرح سؤالاً حول مدى الالتزام بالقيادة الموحدة وما إذا كانت القيادات القديمة لا تزال تحتفظ بنفوذها.
التحديات: رغم التصريحات بأن كل الفصائل أصبحت تحت مظلة واحدة، إلا أن تقارير تفيد بأن بعض المجموعات لم تندمج بالكامل أو ترفض التخلي عن هوياتها الخاصة.
الدور الدولي والإقليمي: إعادة الدمج تأتي في سياق تحول سياسي كبير في سوريا، وتتداخل معها ملفات الأكراد، تركيا، والعلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا.