في خطوة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الجانب الأمني، رفعت وزارة الخارجية الألمانية تحذير السفر الذي فرضته سابقاً على مناطق في إسرائيل عقب اندلاع الحرب على قطاع غزة.
القرار جاء متزامناً مع بدء اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، في مؤشر على محاولة برلين إعادة تموضعها الدبلوماسي في الشرق الأوسط بعد شهور من التوتر والانتقادات.
وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول عبّر خلال لقائه نظيره النيجيري في برلين عن "تزايد ثقته بعملية السلام"، مشدداً على أن تقييمات الوزارة الميدانية أظهرت تحسناً في الوضع الأمني إلا أن التحليل السياسي لهذا القرار يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت ألمانيا تراهن على استقرار هش، أم أنها تسعى لاستباق الأحداث بهدف إعادة تفعيل شراكتها التقليدية مع تل أبيب.
القرار لا يعني أن برلين تعتبر الوضع آمناً بالكامل، إذ ما تزال توصياتها الجديدة تنصح بتجنب السفر إلى المناطق القريبة من قطاع غزة وشمال إسرائيل، إضافة إلى القدس الشرقية. بمعنى آخر، رفع التحذير لا يُترجم بالضرورة إلى "عودة الحياة لطبيعتها"، بل هو إشارة رمزية أكثر من كونه مؤشراً ميدانياً.
في المقابل، ترى أوساط أوروبية أن توقيت الخطوة الألمانية يعكس رغبة الحكومة في التخفيف من الضغوط السياسية الداخلية، خصوصاً بعد الجدل الذي أثاره قرار المستشار فريدريش ميرتس بتجميد تصدير الأسلحة إلى إسرائيل في أغسطس الماضي، على خلفية الانتهاكات المتصاعدة في غزة. فرفع التحذير اليوم قد يكون محاولة لإعادة التوازن في العلاقات الثنائية دون الظهور بمظهر المتراجع عن الموقف الإنساني.
كما أن الحكومة الإسرائيلية، التي طالبت منذ أكتوبر برفع التحذيرات والسماح مجدداً بتصدير الأسلحة، ترى في القرار الألماني مكسباً دبلوماسياً يرمم جزءاً من صورتها في أوروبا. ومع ذلك، تبقى الخطوة الألمانية محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أن وقف إطلاق النار ما يزال هشاً، وأي تصعيد جديد قد يضع برلين في موقف حرج أمام الرأي العام الدولي.
هكذا، يبدو أن رفع تحذير السفر ليس فقط إشارة إلى "تحسن الوضع"، بل خطوة سياسية محسوبة في لعبة التوازن بين المبادئ والمصالح، وبين دعم إسرائيل والحفاظ على صورة ألمانيا كوسيط متزن في واحدة من أكثر مناطق العالم توتراً.