أثار إعلان وزارة الدفاع التركية قبول 49 طالباً سورياً في المدارس البرية والبحرية الحربية موجة جدل حاد داخل الأوساط السياسية والعسكرية التركية، وسط تساؤلات حول خلفيات القرار ومدى ارتباطه بالتفاهمات الأخيرة بين أنقرة ودمشق.
وكان زكي أكتورك، المتحدث باسم وزارة الدفاع، قد كشف في مؤتمر صحفي يوم 30 أكتوبر أن “الجنود السوريين سيخضعون لبرامج تدريبية متقدمة داخل ثكنات ومراكز تابعة للقوات المسلحة التركية”، في إطار ما وصفه بـ“مذكرة التفاهم الخاصة بالتدريب والمشورة المشتركة” الموقّعة في 13 أغسطس الماضي بين الجانبين التركي والسوري.
خطوة غير مسبوقة تثير الحساسية القومية
الخطوة، التي تُعد سابقة منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أثارت عاصفة من الانتقادات في الشارع التركي، لا سيما بعد أن جاءت بالتزامن مع قرار فصل خمسة ضباط أتراك من الجيش بسبب ترديدهم هتاف “نحن جنود مصطفى كمال أتاتورك” أثناء حفل تخرجهم.
ووجد كثير من الأتراك في هذا التناقض رمزاً لتحولٍ أيديولوجي داخل المؤسسة العسكرية، حيث يُعاقَب ضباط أتراك على شعارات قومية في الوقت الذي يُفتح فيه الباب أمام أجانب للانضمام إلى المدارس الحربية.
انقسام سياسي حاد
الأحزاب القومية واليمينية سارعت إلى مهاجمة القرار، واعتبر علي شهرلي أوغلو، نائب رئيس حزب النصر التركي، أن قبول السوريين في صفوف الجيش “مسألة تمسّ الأمن القومي التركي”، متسائلاً ما إذا كانت السلطات قد أجرت فحصاً أمنياً دقيقاً لهؤلاء قبل دمجهم في منظومة الدفاع.
في المقابل، دافعت شخصيات مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم عن الخطوة، واعتبرتها “جزءاً من سياسة إعادة هندسة العلاقة مع دمشق” بعد سنوات من القطيعة، و“تمهيداً لتعاون أمني طويل الأمد في مواجهة التنظيمات المسلحة شمال سوريا”.
جدل الهوية العسكرية في تركيا الجديدة
الجدل تجاوز البُعد القانوني إلى سؤال الهوية في الجيش التركي، المؤسسة التي كانت لعقود تُعرّف نفسها كـ“حامية للعلمانية والجمهورية”.
ويرى مراقبون أن قبول طلاب سوريين في المدارس العسكرية يعبّر عن تحوّل في العقيدة العسكرية التركية، باتجاه توسيع الشراكات الإقليمية على حساب الرمزية الكمالية التي شكلت عماد الجيش منذ تأسيس الجمهورية.
وفي الوقت ذاته، يعكس القرار — وفق تحليلات أمنية — محاولة أنقرة خلق نواة جيش سوري حليف يعمل ضمن استراتيجية النفوذ التركي في الشمال السوري، بما يضمن وجوداً طويل المدى يوازن الدورين الإيراني والروسي في الميدان.
بين حسابات السياسة وضغط الشارع
السلطات التركية أكدت أن الإجراء يستند إلى مذكرة تفاهم دولية وأنه لا يمس السيادة أو المعايير العسكرية التركية، لكن الجدل الشعبي لم يتراجع، خاصة مع تصاعد خطاب المعارضة حول “تسييس الجيش” و“طمس الهوية الوطنية” في صفوفه.
ويرى محللون أن الرأي العام التركي بات أكثر حساسية تجاه ملف اللاجئين السوريين، وأن أي خطوة تمنحهم امتيازات مؤسسية — خصوصاً في المجال العسكري — تتحول فوراً إلى أزمة سياسية داخلية تهدد التوازن بين الحكومة والمعارضة مع اقتراب الانتخابات المحلية المقبلة.