مع استمرار النزاع المسلح في السودان للعام الثالث على التوالي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف فوري للعنف، واصفاً ما يجري بأنه "كابوس يجب أن يتوقف الآن"، فيما تبحث السلطات الموالية للجيش السوداني مقترحاً أمريكياً لوقف إطلاق النار في وقت تستعد فيه قوات الدعم السريع لهجوم جديد في كردفان بعد سيطرتها على الفاشر.
قال غوتيريش، خلال مشاركته في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية المنعقدة في الدوحة، إن على طرفي النزاع في السودان — القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) — العمل مع مبعوثه الخاص للتوصل إلى تسوية تفاوضية شاملة، داعيًا إلى الجلوس على طاولة الحوار قبل أن ينزلق البلد إلى "هاوية أعمق من الفوضى والانقسام".
في المقابل، كشف مصدر حكومي في بورتسودان أن مجلس الأمن والدفاع برئاسة البرهان يعقد اجتماعاً مغلقاً لبحث المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار، والذي تم طرحه منتصف سبتمبر الماضي ويهدف إلى التوصل إلى هدنة إنسانية تمهّد لبدء عملية سياسية سودانية–سودانية.
ويأتي هذا التطور بينما تشير تقارير ميدانية إلى أن قوات الدعم السريع تستعد لشن هجوم على مناطق في كردفان، بعد أيام من سيطرتها على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، ما يهدد بتوسيع رقعة المواجهات إلى وسط السودان.
من جهته، واصل الموفد الأمريكي الخاص إلى إفريقيا مسعد بولس جولاته الدبلوماسية في القاهرة، حيث عقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين مصريين وعرب، بينهم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، لبحث الخطوات النهائية لتفعيل مقترح الهدنة.
وأكد عبد العاطي، في بيان رسمي، على "أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية شاملة ووقف دائم لإطلاق النار"، فيما شدد أبو الغيط على ضرورة تسريع وصول المساعدات الإنسانية وتهيئة الأجواء لبدء حوار وطني سوداني شامل يضع حداً للحرب التي أودت بحياة الآلاف وشرّدت الملايين.
وتشارك في الجهود الدبلوماسية ما يعرف بـ"المجموعة الرباعية"، التي تضم الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية، والتي كثفت خلال الأشهر الأخيرة اتصالاتها مع الأطراف السودانية لتأمين اتفاق هدنة دائم يفتح الباب أمام عملية انتقال سياسي جديدة.
اندلع النزاع في السودان في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع بعد انهيار المفاوضات المتعلقة بدمج الأخيرة في المؤسسة العسكرية ضمن عملية انتقال مدني–عسكري. ومنذ ذلك الحين، تدهورت الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 10 ملايين شخص نزحوا داخليًا وخارجيًا، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
كما تواجه البلاد انهيارًا شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية، بينما تعجز المنظمات الإنسانية عن الوصول إلى معظم المناطق المتضررة بسبب استمرار القتال وانعدام الأمن.
في ظل تصاعد المعارك وغياب الثقة بين طرفي النزاع، تبدو دعوات غوتيريش والمجموعة الرباعية بمثابة محاولة أخيرة لإنقاذ السودان من الانهيار الكامل. فبينما تحاول الدبلوماسية فرض هدنة جديدة، تستمر العمليات العسكرية على الأرض في رسم واقع أكثر تعقيداً، يهدد بتفكك البلاد إلى مناطق نفوذ يصعب إعادة توحيدها دون حل سياسي شامل.