فرنسا تلاحق رموز النظام السوري عبر لبنان

2025.11.04 - 11:58
Facebook Share
طباعة

في خطوة تحمل أبعادًا قانونية وسياسية معقدة، طلب القضاء الفرنسي من السلطات اللبنانية توقيف ثلاثة من كبار الضباط السوريين السابقين، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أدت إلى مقتل مواطنين فرنسيين خلال الحرب في سوريا. هذه الخطوة تأتي ضمن تصعيد قضائي غربي ضد رموز النظام السوري، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية دقيقة على صعيد العلاقات بين دمشق وبيروت وعودة سوريا إلى الساحة العربية.

 


بحسب ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط عن مصدر قضائي لبناني رفيع، تلقى النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار برقية رسمية من القضاء الفرنسي تتضمن استنابة قضائية دولية تطلب من لبنان تعقب وتوقيف كلٍّ من:

اللواء جميل الحسن، القائد السابق لإدارة المخابرات الجوية في النظام السوري.

اللواء علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي وأحد أبرز رجالات النظام الأمنيين المقربين من بشار الأسد.

اللواء عبد السلام محمود، مدير فرع التحقيق في المخابرات الجوية.


وطلبت باريس من بيروت تنفيذ التحريات اللازمة لتحديد أماكن وجودهم على الأراضي اللبنانية، وفي حال تمّ العثور عليهم، توقيفهم وتسليمهم للسلطات القضائية الفرنسية.

الاستنابة تضمنت أيضًا أرقام هواتف لبنانية يُعتقد أنها تتواصل مع هؤلاء الضباط بانتظام، وقد رُصدت هذه الاتصالات ضمن مراقبة فرنسية مكثفة لحركة التواصل الإقليمي لشخصيات سورية بارزة.

 

مذكرات توقيف متراكمة ضد رموز النظام

التحرك الفرنسي ليس الأول من نوعه. ففي أكتوبر الماضي، أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد نفسه، بتهمة التورط في الهجمات الكيميائية على الغوطة في عام 2013، التي أسفرت عن مئات القتلى.
كما صدرت مذكرات مشابهة في السنوات السابقة ضد عدد من كبار ضباط الأجهزة الأمنية السورية، استنادًا إلى قانون الولاية القضائية العالمية الذي يتيح لفرنسا محاكمة مرتكبي جرائم حرب ضد مواطنيها حتى خارج أراضيها.

ويرى محللون قانونيون أن هذه المذكرات تمثل تراكماً قضائياً هدفه توثيق مسؤولية هرم القيادة السورية عن جرائم الحرب، تمهيدًا لإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية أو لتفعيل مبدأ العدالة العابرة للحدود.

 

البعد السياسي: بين باريس وبيروت ودمشق

يأتي الطلب الفرنسي في وقتٍ يشهد فيه لبنان انقساماً داخلياً حاداً حول العلاقة مع النظام السوري، لا سيما مع تزايد الضغوط الأوروبية عليه لضبط حركة التهريب عبر الحدود ومنع عودة النفوذ الأمني السوري.
مصادر لبنانية مطلعة أكدت لـ"الشرق الأوسط" أن السلطات اللبنانية تواجه حرجاً كبيراً في التعاطي مع الطلب الفرنسي، إذ إن الأسماء الثلاثة المقصودة تحظى بحماية سياسية وأمنية داخل سوريا، وربما داخل أوساط لبنانية قريبة من دمشق.

من جانب آخر، يُنظر في باريس إلى هذا الملف بوصفه اختباراً لموقف الحكومة اللبنانية من التعاون القضائي الدولي، خاصةً أن فرنسا تُعدّ من أبرز الداعمين للبنان في ملف اللاجئين السوريين والإصلاحات الاقتصادية.

 


حتى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من دمشق على الخطوة الفرنسية، لكن مراقبين يرون أن الطلب يمثل تصعيداً قضائياً قد يُستغل سياسياً لاحقاً، سواء في مسار المفاوضات حول التطبيع مع النظام السوري أو في الملفات المتعلقة بعودة اللاجئين.
أما في بيروت، فمن المتوقع أن تحيل النيابة العامة التمييزية الطلب الفرنسي إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي للتحقق من المعطيات، دون أن يعني ذلك بالضرورة استعداد لبنان لتوقيف شخصيات أمنية سورية بحجم المذكورين.

 


التحرك الفرنسي يعكس اتجاهاً أوروبياً جديداً نحو تفعيل المساءلة الدولية ضد النظام السوري بعد سنوات من الجمود السياسي، في ظل فشل مساعي الحل السياسي وعودة دمشق إلى الحاضنة العربية دون شروط واضحة تتعلق بالعدالة الانتقالية.
لكن في المقابل، فإن ضعف النفوذ القضائي الفرنسي في لبنان، وتداخل المصالح السياسية والأمنية بين البلدين، يجعل تنفيذ هذه الاستنابة أمراً شبه مستحيل عملياً، وإن كان رمزياً يحمل رسالة مفادها أن "الملف السوري لم يُغلق بعد".

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 7