مصر وتركيا.. اقتصاد يذيب جليد السياسة

2025.11.04 - 11:32
Facebook Share
طباعة

في مؤشر جديد على عودة الدفء الكامل للعلاقات المصرية–التركية، اتفقت القاهرة وأنقرة على رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 15 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، في خطوة تُجسّد التحول من مرحلة “التهدئة السياسية” إلى “التكامل الاقتصادي الفعلي”.

زيارة اقتصادية محورية

التحرك جاء خلال الزيارة الرسمية التي يقوم بها المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري، إلى تركيا، حيث أجرى سلسلة لقاءات في إسطنبول تناولت سبل تعزيز التعاون التجاري والاستثماري، على هامش الدورة الحادية والأربعين لاجتماع وزراء تجارة الكومسيك – اللجنة الدائمة للتعاون التجاري والاقتصادي التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي.

وخلال لقائه بنظيره التركي عمر بولات، أشار الوزيران إلى أن حجم التبادل التجاري في النصف الأول من عام 2025 بلغ نحو 4 مليارات دولار، منها 2 مليار صادرات مصرية، ما يعكس ارتفاعًا ملحوظًا في الميزان التجاري لصالح القاهرة مقارنة بالسنوات السابقة.

استثمارات صناعية وتكامل في سلاسل التوريد

اللقاءات التي جمعته برجال الأعمال الأتراك، خصوصًا في قطاع النسيج والملابس، كشفت عن رغبة متزايدة من المستثمرين الأتراك لتوسيع وجودهم في السوق المصري، مستفيدين من المنطقة الصناعية في شرق بورسعيد ومزايا اتفاقية الكوميسا التي تتيح الوصول إلى أسواق إفريقيا.

كما أبدت الشركات التركية اهتمامًا بإقامة مصانع لتوريد المواد الخام والاعتماد على المكوّن المحلي المصري في سلاسل الإنتاج، وهو ما يفتح الباب أمام تعاون أعمق في مجالات الطاقة، وقطع الغيار، والصناعات الغذائية، والبتروكيماويات.

الوزير المصري من جانبه، شدد على أن الحكومة المصرية ملتزمة بتوفير بيئة استثمارية آمنة ومستقرة، مع ضمان سرعة إصدار التراخيص وتسهيل التحويلات المالية، مؤكدًا أن “الاستثمار التركي في مصر لم يعد استثمارًا أجنبيًا بل شراكة استراتيجية بين دولتين ترتبطان بمصالح متكاملة”.

تحوّل استراتيجي بعد سنوات الجفاء

ويرى محللون أن رفع سقف التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار يمثل “نقطة تحوّل” في مسار العلاقات بين القاهرة وأنقرة، بعد عقد من التوتر السياسي الذي أعقب عام 2013.
فمنذ عام 2022، بدأت خطوات إعادة بناء الثقة تتسارع:

تبادل السفراء رسميًا في 2023.

لقاءات متكررة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان في مناسبات دولية.

استئناف التنسيق في ملفات إقليمية مثل ليبيا وشرق المتوسط.


اليوم، يبدو أن الاقتصاد أصبح الجسر الأسرع لإعادة صياغة العلاقة بين القوتين الإقليميتين، في ظل رغبة تركية في تعزيز حضورها الصناعي في إفريقيا عبر البوابة المصرية، ورغبة مصرية في جذب استثمارات نوعية تخفّف الضغط على العملة وتزيد من الصادرات.

نحو محور اقتصادي جديد في الشرق الأوسط

التحالف الاقتصادي الناشئ بين مصر وتركيا يعكس تحولًا في أولويات المنطقة، إذ تميل العواصم الكبرى إلى تسوية الخلافات السياسية لصالح التعاون الاقتصادي، خاصة في ظل الضغوط الناتجة عن الحرب في غزة والأزمة العالمية في سلاسل الإمداد.

ويُتوقع أن تتوسع الشراكة قريبًا لتشمل مجالات الطاقة المتجددة والنقل البحري والتكنولوجيا الزراعية، ضمن رؤية أوسع لتشكيل محور اقتصادي إسلامي قادر على منافسة الكتل الإقليمية الأخرى.


التقارب المصري–التركي لم يعد مجرد عناوين دبلوماسية، بل بات واقعًا اقتصاديًا مدعومًا بالأرقام، وخطوة على طريق إعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، حيث تحل لغة المصالح محل الصراع، والمصانع محل الخطابات السياسية.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 6