تسبّب الإضراب العام الذي دعت إليه الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية في تونس بتوقف الخدمات المالية بنسبة تجاوزت 80%، وهو ما يؤكد حجم التوتر القائم بين الموظفين وإدارة القطاع المالي والمصرفي هذا التحرك النقابي يشير إلى تصاعد الاحتقان حول حقوق الأجراء والمفاوضات غير المثمرة بشأن الزيادات المادية والمهنية للسنوات الثلاث المقبلة، ما يعكس فجوة كبيرة بين أرباح القطاع ورضا العاملين فيه.
القطاع المالي التونسي يشهد حالة استثنائية؛ إذ تجمع المؤسسات المصرفية والشركات المالية وشركات التأمين تحت مظلة المجلس المالي والبنكي، ويبلغ عدد البنوك 29 بنكًا، منها 12 مدرجة في البورصة. وعلى الرغم من تحقيق القطاع أرباحًا صافية بنسبة 6.6% خلال النصف الأول من العام الحالي، وتوزيع أكثر من 822 مليون دينار على المساهمين، لم يتمكن الموظفون من الحصول على الزيادات التي شملتها قطاعات أخرى ضمن اتفاقية 2025، ما دفع الجامعة إلى الدعوة للإضراب كوسيلة ضغط لتحقيق مطالب مشروعة.
الإضراب كشف أيضًا عن ضعف قنوات الحوار الاجتماعي بين النقابات وسلطة الإشراف المالي، إذ أشار المسؤول النقابي إلى غياب رغبة لدى المجلس المالي والبنكي والهيئة العامة للتأمينات في الجلوس إلى طاولة المفاوضات. هذا الواقع يعكس تحديات أوسع في قدرة القطاع على التوفيق بين الحفاظ على استقرار النظام المالي وضمان حقوق الموظفين في آن واحد، خصوصًا في سياق ما أُعلن عن زيادة الرواتب لعام 2026 دون تشاور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو إجراء استثنائي يعكس ضغوطًا على الحوار الاجتماعي التقليدي.
من جانب آخر، حاول البنك المركزي التونسي احتواء تأثير الإضراب على العملاء واستمرارية المعاملات المالية، من خلال تأمين السحوبات النقدية والدفع الإلكتروني وتوفير الموارد البشرية لضمان الحد الأدنى من الخدمات البنكية هذه الإجراءات تكشف عن الدور الحيوي للبنك المركزي في حماية استقرار المنظومة المالية الوطنية، لكنها أيضًا تسلط الضوء على هشاشة القطاع أمام تحركات الموظفين المؤثرة في سير الخدمات الأساسية.
يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد صيغة مستدامة للاتفاق بين النقابات والجهات المشرفة على القطاع المالي، بما يضمن حقوق الموظفين دون الإضرار باستقرار النظام المالي والتزامات البنوك تجاه عملائها.