الحوار الأممي في ليبيا بين الترقب والجدل السياسي

2025.11.03 - 06:06
Facebook Share
طباعة

تشهد ليبيا حالة من الترقب والجدل السياسي مع اقتراب إطلاق الحوار الأممي المرتقب خلال نوفمبر، في إطار مساعي المبعوثة الأممية هانا تيتيه لإحياء المسار السياسي بعد سنوات من الانقسامات والأزمات المتعاقبة تصريحات نائبة رئيس البعثة الأممية للشؤون السياسية،ستيفاني خوري بشأن عدم إلزامية مخرجات الحوار، أعادت إلى الواجهة التساؤلات حول مدى جدوى الحوارات السياسية التي تفتقد أدوات تنفيذية واضحة، وفتحت نقاشًا واسعًا حول تأثير ذلك على استقرار المؤسسات وتوحيد الدولة.

ينقسم المشهد السياسي الليبي بين من يعتبر موقف البعثة «واقعيًا لتفادي فشل سابق»، وبين من يراه دليلًا على محدودية قدرة الأمم المتحدة على إنتاج حلول حقيقية لإنهاء الانقسام السياسي من جهة، يُنظر إلى عدم إلزامية المخرجات كآلية لتجنب الطعون والاعتراضات التي أعاقت تطبيق اتفاقيات سابقة مثل اتفاق الصخيرات عام 2015، بينما من جهة أخرى يُعتبر ذلك تراجعًا عن جوهر أي عملية سياسية حقيقية، ويثير مخاوف من استمرار الوضع الراهن دون حل.

من المنتظر أن يشارك في الحوار نحو 120 شخصية من مختلف المناطق الليبية ضمن «خريطة الطريق» التي أعدتها البعثة، بهدف الوصول إلى توافق سياسي يسمح بإجراء انتخابات خلال 12 إلى 18 شهرًا لكن محدودية المشاركة والانتقادات المتصاعدة تشير إلى عزوف شعبي وسياسي عن المبادرة، ويبرز الخوف من أن يكون الحوار مجرد محطة إضافية في مسلسل مبادرات غير مثمرة، في ظل استمرار نفوذ الميليشيات وتحديات الأمن الداخلي.

إضافة إلى ذلك، يثير النظام المعتمد لتشكيل المجلس المشاركين في الحوار جدلًا داخليًا، إذ تنص الترتيبات على أن يعين الرئيس ثلث المشاركين بينما يُنتخب الثلثان الآخران بانتخاب غير مباشر هذا التعيين يهدف إلى سد ثغرات التمثيل للمرأة والأقليات والكفاءات، لكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف حول استقلالية العملية التشريعية والرقابية، وقدرة المجلس على ممارسة دوره دون ضغوط خارجية أو داخلية.

تتفاقم التحديات مع استمرار غياب الإرادة السياسية لمعالجة جذور الأزمة، بما يشمل تنفيذ الترتيبات الأمنية واتفاق وقف إطلاق النار، وتأجيل الانتخابات الشاملة. ويظل توازن القوى بين الأطراف السياسية والميليشيات المحلية عاملًا حاسمًا في نجاح أي مسار سياسي، إذ قد تؤدي التوصيات غير الملزمة إلى استمرار التنافس على المناصب دون تحقيق تقدم ملموس في توحيد المؤسسات.

وفق مراقبون، تتطلب المرحلة المقبلة من الحوار الأممي تركيزًا على بناء توافق وطني يحقق الاستقرار، ويشمل وضع آلية واضحة لمراقبة تنفيذ الاستحقاقات الأمنية والانتخابية، وإشراك المجتمع المدني في متابعة تطبيق القرارات، لضمان أن تكون النتائج قابلة للتنفيذ على الأرض وليس مجرد وثائق نظرية. كما تظل دعوات المبادرة إلى مصالحة وطنية شاملة وتوحيد المؤسسات محل نقاش، لضمان أن يكون الحوار منصة لتحقيق وفاق سياسي حقيقي بعيدًا عن التجاذبات الإقليمية والدولية.

في النهاية، يبقى الحوار الأممي أمام اختبار حقيقي يحدد قدرة الأطراف الليبية على تجاوز الانقسامات التاريخية، واستثمار الفرصة لتأسيس مؤسسات فعالة ومستقرة، تُعيد الثقة بين المواطنين والدولة، وتضع البلاد على مسار الانتقال السياسي المنشود. إن نجاح الحوار لن يقاس بكمّ التوصيات بل بمدى تنفيذها وتحقيق توافق داخلي يضمن الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 7