قضية "يفعات تومر يروشلمي": الفضيحة التي كشفت المستور عن جرائم جيش الاحتلال وانحطاطه الأخلاقي

أماني إبراهيم

2025.11.03 - 04:02
Facebook Share
طباعة

تعيش إسرائيل واحدة من أعنف أزماتها الأخلاقية والمؤسساتية بعد انفجار قضية المدعية العسكرية يفعات تومر يروشلمي، التي كشفت للعالم الوجه الحقيقي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كمنظومة منهارة أخلاقياً، قائمة على الإفلات من العقاب، والتغطية على الجرائم، بدلًا من محاسبة مرتكبيها.

القضية بدأت عندما سربت يروشلمي مقطع فيديو من داخل قاعدة “سديه تيمان” العسكرية جنوب إسرائيل، يظهر فيه عدد من جنود وحدة “القوة 100” وهم يعتدون جنسياً على معتقل فلسطيني مكبل اليدين ومعصوب العينين، في مشهد صادم يفضح حجم الانتهاكات التي تُمارس ضد الأسرى الفلسطينيين، بعيدًا عن أي رقابة أو مساءلة.

بدلًا من فتح تحقيق واسع ومحاسبة المعتدين، تحولت القضية ضد من كشفت الجريمة. أُقيلت يروشلمي من منصبها كمدعية عسكرية، واعتُقلت بتهمة “تسريب معلومات أمنية حساسة”، رغم تأكيدها أنها لم تتصرف بدافع سياسي، بل حفاظًا على القانون الذي يُنتهك يوميًا داخل المؤسسة العسكرية.
بهذا، لم تعد القضية مجرد “تسريب”، بل شهادة إدانة علنية لنظامٍ يخاف الفضيحة أكثر مما يخاف الجريمة.

 


انهيار أخلاقي ممنهج

منذ بداية حرب غزة الأخيرة، تزايدت الشهادات من داخل السجون الإسرائيلية عن ممارسات وحشية ضد الأسرى الفلسطينيين:

الضرب والتعذيب حتى الموت في معتقلات مثل “سديه تيمان” و“عوفر” و“مجدو”.

إجبار الأسرى على الوقوف لساعات طويلة وهم عراة أمام الجنود، في مشهد إذلال متعمد.

الحرمان من الطعام والدواء، وإبقاء المعتقلين في العراء أو داخل حاويات معدنية في البرد والحرّ.

اعتداءات جنسية وانتهاكات جسدية ونفسية موثقة، كما في الفيديو الذي كشفته يروشلمي.

منع زيارات الصليب الأحمر، وإخفاء مئات الأسرى من غزة في أماكن احتجاز سرية لا يُعرف مصيرهم.


هذه الممارسات ليست أخطاء فردية، بل سياسة دولة، كما تؤكد منظمات حقوقية دولية. تقارير "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" و"بتسيلم" تشير جميعها إلى أن التعذيب في إسرائيل يُمارس بإشراف رسمي، وبحمايةٍ قانونية توفرها الأجهزة الأمنية والعسكرية.

 


جيش بلا أخلاق.. وقضاء بلا عدالة

فضيحة يروشلمي عرّت ما تحاول المؤسسة الإسرائيلية إخفاءه: أن “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم” ليس سوى جهاز قمعٍ منظمٍ ضد شعبٍ واقع تحت الاحتلال، وأن “القضاء العسكري” ما هو إلا ذراع تبييضٍ لجرائم الجنود.

ففي حين تتعرض يروشلمي للاعتقال والملاحقة، لم يُقدَّم أيٌّ من الجنود المتورطين في الاعتداء للمحاكمة حتى الآن، بل جرى التعتيم على هوياتهم بحجة “الحفاظ على الأمن القومي”.
بهذا، يظهر أن إسرائيل لا تخشى الجرائم، بل تخشى أن تُرى جرائمها.

أما داخل الجيش، فالقضية خلقت انقساماً غير مسبوق: فبينما يرى بعض الضباط أن ما حدث “كارثة أخلاقية”، يرى آخرون أن “نشر الفيديو خيانة”، ما يعكس صراعاً داخلياً حول هوية الجيش نفسه: هل هو مؤسسة قانونية، أم عصابة مسلحة تحمي المجرمين؟

 


شهادات من داخل الجحيم

تقارير حقوقية فلسطينية كشفت أن المئات من الأسرى المحررين حديثاً من غزة والضفة الغربية خرجوا بعاهات دائمة جراء التعذيب، وأن بعضهم فقد أطرافه أو بصره بسبب الضرب المبرح.
في شهاداتهم، تحدثوا عن حفلات تعذيب جماعي، حيث يُجبر الأسرى على ترديد شعارات تمجّد الجيش الإسرائيلي، بينما يُضربون بالعصي الكهربائية.
كما وثّق محامون فلسطينيون حالات اغتصاب واعتداء جنسي على المعتقلين، رجالاً ونساءً، وهي ممارسات نادرة الكشف بسبب الخوف والوصمة.

هذه الجرائم تتطابق مع مضمون الفيديو الذي سرّبته يروشلمي، لتؤكد أن ما حدث لم يكن “حادثة معزولة”، بل جزء من نمط ساديٍ ممنهج يهدف إلى كسر كرامة الفلسطينيين.

 


إسرائيل في مواجهة حقيقتها

تأتي قضية يروشلمي في لحظة تتهاوى فيها دعاية إسرائيل في الغرب، بعد توالي التقارير عن الجرائم في غزة، والتعذيب، والإعدامات الميدانية، واستهداف المدنيين.
لقد فقدت إسرائيل السيطرة على روايتها أمام العالم، وبدأت فضائحها تتسرب من داخل مؤسساتها نفسها — من الجيش إلى القضاء، ومن الإعلام إلى المخابرات.

القضية بهذا المعنى ليست فقط عن شجاعة مدعية عسكرية إسرائيلية، بل عن نظامٍ كاملٍ بات عاجزاً عن إخفاء جرائمه، ومؤسسة عسكرية تتآكل من الداخل، بعدما تحوّلت إلى جيش انتقام لا يفرّق بين سلاحٍ ومعتقل، أو بين معركة وعدوان.


جيش الاحتلال بلا شرف

إن قضية يروشلمي تختصر جوهر الاحتلال:
دولة تُعاقب من يكشف الحقيقة وتكافئ من ينتهكها،
جيشٌ يدّعي الأخلاق بينما يغتصب الأسرى،
وقضاءٌ يبرر الجريمة تحت عنوان “الأمن القومي”.

إنها فضيحة أخلاقية وقانونية تُسقط عن إسرائيل آخر أقنعتها أمام العالم، وتؤكد أن ما يجري في السجون والمعتقلات ليس إلا امتداداً لما يجري في غزة والضفة: نظام استعماري مهووس بالقمع، يتغذى على الألم، ويخاف من الحقيقة أكثر من أي شيء آخر.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 8