أعلنت وزارة الدفاع البلجيكية عن فتح تحقيق واسع النطاق بعد رصد عدة طائرات مسيّرة مجهولة الهوية حلّقت فوق قاعدة جوية عسكرية حساسة في شمال شرق البلاد، يُعتقد أنها تستضيف أسلحة نووية أميركية، في حادث أثار مخاوف أمنية متزايدة لدى السلطات الأوروبية.
وقال وزير الدفاع البلجيكي ثيو فرانكن في تصريح صحفي، إن المسيرات شوهدت مساء السبت تحلّق فوق قاعدة "كلاين بروغيل" الجوية الواقعة في مقاطعة ليمبورغ، قبل أن تتجه نحو الأراضي الهولندية. وأوضح أن الشرطة البلجيكية نشرت مروحية لمطاردة الطائرات المسيّرة، غير أن الفرق الميدانية لم تتمكن من تحديد موقعها أو التعرف على هوية مشغليها.
وأكد الوزير أن الأجهزة الأمنية تتعامل مع الحادثة بجدية بالغة نظراً لحساسية الموقع الذي يُعتبر من أكثر القواعد العسكرية أهمية في البلاد، لكونه يضم منشآت مرتبطة بتشغيل مقاتلات "إف-35" الحديثة ويُعتقد أنه يحتوي على أسلحة نووية أميركية مخزنة ضمن منظومة الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
تكرار الحوادث يثير القلق
ويُعد هذا الحادث الثاني من نوعه خلال يومين، إذ تم رصد تحليق مشابه لطائرات مسيّرة فوق القاعدة ذاتها ليلة الجمعة الماضية، ما دفع السلطات البلجيكية إلى رفع مستوى التأهب الأمني في المنطقة.
وأشارت تقارير محلية إلى أن الحوادث الأخيرة تزامنت مع نشاط مماثل في عدد من القواعد العسكرية الأخرى خلال الشهر الماضي، بينها ميادين تدريب في وسط البلاد شهدت أيضًا اختراقات جوية بطائرات مسيّرة مجهولة المصدر.
وتخشى الأجهزة الأمنية من أن تكون هذه التحركات الجوية جزءًا من عمليات استطلاع أو تجسس تستهدف منشآت حساسة ضمن حلف الناتو، خصوصًا بعد تصاعد التوترات الأمنية في أوروبا خلال العامين الأخيرين.
وقال مصدر أمني بلجيكي، رفض الكشف عن اسمه، إن السلطات لا تستبعد أي فرضية، بما في ذلك احتمال تورط جهات خارجية أو جماعات منظمة تمتلك قدرات تقنية متقدمة.
تحقيقات موسّعة ومخاوف من "هجمات مسيّرة"
وأكدت الشرطة الفدرالية البلجيكية أنها فتحت تحقيقًا رسميًا لتحديد هوية المشغّلين وخلفيات الحادث، بالتنسيق مع النيابة العامة والجيش. ولم تكشف السلطات حتى الآن عن أي تفاصيل تتعلق بنتائج التحريات الأولية، لكنها أكدت أن تحليق المسيرات فوق المنشآت العسكرية يُعد خرقًا خطيرًا للقوانين الوطنية ولأمن الدولة.
وتأتي هذه التطورات بعد حادثة أخرى وقعت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما أعلنت السلطات البلجيكية إحباط ما وصفته بـ"مخطط إرهابي" كان يستهدف شخصيات سياسية بارزة في البلاد باستخدام طائرات مسيّرة مزودة بمتفجرات.
وأوضح بيان النيابة الفدرالية آنذاك أن ثلاثة أشخاص أوقفوا في مدينة أنتويرب للاشتباه في تورطهم بمحاولة "قتل إرهابية" والمشاركة في أنشطة جماعة متطرفة. وكشفت المدعية العامة آن فرانسن أن الأدلة الأولية تشير إلى نية استخدام طائرات مسيّرة مفخخة لاستهداف رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر وشخصيات أخرى.
ورغم نجاح الأجهزة الأمنية في إحباط المخطط، إلا أن الحادثة كشفت هشاشة المنظومات الدفاعية أمام تهديدات الطائرات المسيّرة الصغيرة، التي يصعب رصدها بالوسائل التقليدية.
قلق أوروبي متصاعد من تهديدات المسيّرات
وتشهد بلجيكا وعدد من الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة في الحوادث المرتبطة بتحليق طائرات مسيّرة قرب منشآت عسكرية ومرافق حساسة، بعضها تم رصده فوق قواعد للناتو أو محطات للطاقة النووية.
وكانت وزارة الدفاع البلجيكية قد أعلنت الشهر الماضي عن رصد طائرة مسيّرة مشبوهة فوق قاعدة عسكرية قرب الحدود الألمانية، في واقعة وصفتها وسائل الإعلام المحلية بـ"المقلقة للغاية"، وأعادت إلى الواجهة النقاش حول ضعف التشريعات الخاصة باستخدام الطائرات المسيّرة المدنية في المجال الجوي الأوروبي.
ويحذر خبراء أمنيون من أن التطور السريع في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة التجارية يجعل من السهل تعديلها لأغراض تجسسية أو هجومية، مشيرين إلى أن أي خرق أمني في قواعد نووية يُعد تهديدًا استراتيجيًا للأمن الأوروبي ككل.
وفي ظل هذه التطورات، تواصل السلطات البلجيكية جهودها لتعزيز قدراتها على كشف وتتبع الطائرات المسيّرة عبر أنظمة رادارية متطورة وأجهزة تشويش إلكترونية، بينما يجري التعاون مع أجهزة الأمن الهولندية والألمانية لتبادل المعلومات حول الحوادث الأخيرة.