في حادثة أثارت استياءً واسعًا داخل الأوساط الدينية والشعبية، تعرّض الشيخ الدمشقي محمد خير الشعّال، مساء أمس، لاعتداءٍ لفظي من قبل مسلحين مجهولين أثناء وجوده في أحد مساجد بلدة قارة بريف دمشق، قبل أن يُجبر على مغادرة المكان وسط حالة من التوتر والذهول بين المصلين.
ووفق شهود عيان، فقد دخل الشيخ المسجد كعادته لإلقاء محاضرة دينية ضمن سلسلة دروسه الأسبوعية، حين باغته عدد من الأشخاص بتعليقات مسيئة وصراخ داخل المسجد، متهمين إياه بالانتماء إلى "مذهب منحرف"، في إشارة إلى مذهبه الأشعري، ما أدّى إلى توقف المحاضرة واضطراره إلى مغادرة المكان حمايةً للنفس ولحرمة المسجد.
وقد وثّق مقطع مصوّر نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحظة الاعتداء، في مشهدٍ وصفه متابعون بأنه “مؤلم ومهين لرمزٍ ديني معروف بالاعتدال والخلق الرفيع”.
من هو الشيخ محمد خير الشعّال؟
الشيخ محمد خير الشعّال من أبرز الدعاة الدمشقيين في العقود الأخيرة. وُلد في دمشق عام 1959، وتخرّج من كلية الشريعة في جامعة دمشق، وواصل مسيرته في التعليم والدعوة من خلال عدد من المساجد المعروفة في العاصمة.
اشتهر بخطابه الوسطي المتزن، وابتعاده عن خطاب التكفير أو التحريض، مركّزًا على قيم الأخلاق والتعايش والحكمة في الدعوة. وهو من أتباع المدرسة الأشعرية في العقيدة، التي تمثل تيارًا وسطيًا داخل الفكر الإسلامي السنّي، وقد عُرف بدفاعه عن الفكر المعتدل في مواجهة التيارات المتشددة.
خلال مسيرته الطويلة، قدّم الشعّال عشرات الدروس والدورات التربوية والفقهية، وشارك في برامج إعلامية ودعوية أسهمت في توجيه جيل واسع من الشباب نحو الفكر المتزن، وكان خطابه دائمًا يدعو إلى احترام الاختلاف ونبذ الكراهية، مع تأكيده على وحدة الصفّ الوطني والديني.
ردود فعل مستنكرة
أثار الاعتداء موجةً من الغضب على منصّات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثير من السوريين عن تضامنهم مع الشيخ الشعّال، معتبرين ما جرى “اعتداءً على قيم الدين قبل أن يكون اعتداءً على شخص”.
وقال أحد المعلقين: “حين يُهاجَم صوت الاعتدال، فهذه إشارة خطيرة إلى أن التطرف ما زال يجد من يغذّيه”.
بينما اعتبر آخرون أن ما حدث يعكس محاولة منظمة لإقصاء الفكر الوسطي وإحلال خطاب الإقصاء مكانه، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى خطاب يوحّد لا يفرّق.
مخاوف من تصاعد التمييز الديني
تثير هذه الحادثة، بحسب مراقبين، مخاوف من اتساع رقعة التمييز المذهبي في بعض المناطق السورية، خصوصاً مع تصاعد نبرة الخطاب المتشدد في أوساط معينة.
ويرى باحثون في الشأن الديني أن استهداف رموز معتدلة مثل الشعّال يحمل دلالات خطيرة، إذ يشير إلى أن التيارات المتطرفة تسعى لإفراغ الساحة من الأصوات المتزنة التي يمكن أن تشكّل جسراً بين المذاهب والمجتمعات.
ويؤكد ناشطون أن ما جرى في قارة “ليس مجرد حادث فردي”، بل هو جرس إنذار يدقّ في وجه المجتمع والدولة على حد سواء، بضرورة حماية حرية العبادة والتعبير الديني، ومنع أي محاولات لفرض فكرٍ واحد بالقوة أو العنف.
بين صوت الاعتدال وخصومه
تُظهر هذه الحادثة المفارقة الصارخة في المشهد الديني السوري: فبينما يسعى كثيرون لترميم النسيج المجتمعي بعد سنوات الحرب والانقسام، هناك من يعمل على إعادة إنتاج الانقسام نفسه بلغة جديدة.
الشيخ الشعّال، الذي كرّس خطابه طوال عقود للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، أصبح اليوم رمزًا لصراع أعمق بين تيارين: تيار الوسطية والتعايش، وتيار التشدد والإقصاء.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل بات صوت الاعتدال مهدّدًا في بلدٍ دفع ثمناً باهظًا لانقساماته؟
إن ما حدث في قارة يجب أن يكون دعوةً جادة لإعادة النظر في الخطاب الديني، وللتأكيد على أن احترام التنوع المذهبي والفكري ليس ترفًا، بل هو ضرورة لحماية ما تبقّى من وحدة السوريين.