يشكل تسريب الفيديو الذي يوثق اعتداء حراس سجن سدي تيمان على معتقل فلسطيني نقطة محورية تكشف استراتيجيات اليمين الإسرائيلي لاستغلال الأحداث الإنسانية والسياسية في الداخل ففي وقت يحتاج فيه المواطنون إلى مؤسسات قضائية وعسكرية مستقرة، تحول الفيديو إلى أداة ضغط لتوسيع نفوذ الحكومة وتقويض استقلالية الأجهزة القضائية والعسكرية، بما يخدم أجندة رئيس الوزراء نتنياهو وحلفائه في فرض سيطرة سياسية على "الدولة العميقة" كما يسمونها.
وفقًا لتحليل نشرته صحيفة هآرتس، أظهر الفيديو حراس السجن وهم يعتدون على معتقل فلسطيني في سجن سدي تيمان في النقب، وهو السجن الذي سبق ووصفته تقارير دولية بأنه يشبه "غوانتانامو الإسرائيلي". ومع انتشار الفيديو، تصاعدت الشكوك حول مصدر التسريب، مشيرة إلى احتمالية أن يكون قد جاء من داخل مكتب المدعي العام العسكري أو من مقربين منه، الأمر الذي أدى إلى إجبار المدعية العسكرية العامة اللواء يفعات تومر يروشالمي على أخذ إجازة مؤقتة تحت ضغط سياسي واضح.
اليمين الإسرائيلي استخدم التسريب كذريعة لتوسيع الهجوم على القضاة والمدعين المسؤولين عن ملفات فساد نتنياهو، مع توجيه ضغوط مكثفة على المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا، المعروفة بموقفها المعارض لتدخل الحكومة في القضاء. جاءت هذه الخطوة بعد أسبوعين فقط من وقف إطلاق النار، ما أتاح للدوائر المقربة من نتنياهو تعزيز خطاب "الدولة العميقة" وتقديمها كخصم للمصلحة الوطنية، في محاولة لتحويل التركيز عن إخفاقات الحكومة في أكتوبر 2023 وما تلاه.
القضية لم تقتصر على الجانب السياسي فقط، إذ تهدد المؤسسة العسكرية والنيابة العامة نفسها، حيث تجد سلطات إنفاذ القانون نفسها في موقع دفاعي دائم وغير قادرة على المبادرة أمام حملات منظمة تهدف إلى تشتيت الانتباه عن إخفاقات الحكومة، ما يعكس استغلال السلطة الحاكمَة للملفات القضائية والعسكرية لتقويض مؤسسات الدولة. كما يظهر أن المعارضة الإسرائيلية عاجزة عن بلورة رد موحد، ما يزيد النفوذ السياسي للقوى التي تسعى لتهميش المؤسسات المستقلة وإضعاف سلطة القانون.
هذا الاستغلال السياسي لقضية حقوقية إنسانية يعكس تحكم الحكومة الإسرائيلية في المؤسسات لتحقيق مكاسب حزبية، ويضع مستقبل استقلالية القضاء والجيش الإسرائيلي تحت تهديد دائم، بما يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات وتراجع حماية الحقوق الأساسية داخل الدولة.