في تطور يعكس تعقيد الملف الإنساني العالق بين «حماس» وإسرائيل، عرضت كتائب القسام – الجناح العسكري للحركة – انتشال وتسليم جميع جثامين الأسرى الإسرائيليين المحتجزين داخل ما يُعرف بـ«الخط الأصفر»، شرط تزويدها بالمعدات والطواقم اللازمة، في وقت أكدت فيه إسرائيل أن بقايا الرفات التي تسلمتها عبر الصليب الأحمر لا تعود لأي من المحتجزين الإسرائيليين، مما أعاد إلى الواجهة الجدل حول مصداقية عمليات التسليم، وحدود التزام الطرفين بالاتفاق الإنساني الذي رعته واشنطن.
وقالت كتائب القسام في بيان رسمي إنها «على استعداد للعمل على استخراج جثث أسرى الاحتلال في كل الأماكن داخل الخط الأصفر، بشكل متزامن، لإنهاء هذا الملف الإنساني بشكل كامل»، داعية الوسطاء واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى توفير المعدات والطواقم التي تتيح تنفيذ العملية في بيئة آمنة.
وأكدت الحركة أنها سلّمت عينات من جثامين مجهولة الهوية، «بعدما رفض الاحتلال تسلّم العينات وطلب استلام الجثث كاملة لفحصها»، موضحة أنها لم تكن متيقنة من هوية أصحابها، لكنها قررت التسليم «منعاً لاستغلال إسرائيل لهذا الملف».
وجاء هذا التصريح بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أن ثلاث جثث تسلمها من غزة ليلة الجمعة الماضية «لا تعود لأي من الرهائن الإسرائيليين القتلى»، وفق ما أكدته نتائج التحليل الجنائي في معهد الطب الشرعي بأبو كبير، ما أثار موجة انتقادات داخل إسرائيل حول جدوى استمرار الهدنة الإنسانية المؤقتة.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، وفق موقع «واللا»، إن ما تقوم به «حماس» «لا يرقى إلى مستوى الخرق المباشر للهدنة، لكنه يؤكد أن الحركة تستخدم الجثامين كورقة مساومة سياسية»، مضيفاً أن الجيش يرى في ما يحدث «مسرحية إعلامية تهدف إلى كسب الوقت».
وأشار تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن التقديرات في إسرائيل تعتبر أن «حماس» تسعى من خلال الملف إلى تحسين موقعها في المفاوضات الجارية حول إعادة الإعمار ومستقبل إدارة القطاع، وتوظف «الخطوط الصفراء» كورقة تفاوض مع واشنطن وتل أبيب، في ظل غياب اتفاق نهائي بشأن تشكيل القوة الدولية المزمع نشرها في غزة.
وفي غزة، أعلن منير البرش، المدير العام لوزارة الصحة، أن الجثامين الثلاثين التي سلمتها إسرائيل يوم الجمعة الماضي «هي الأصعب من بين الدفعات التي تم الإفراج عنها»، مشيراً إلى أن أغلبها «عبارة عن عظام فقط» وأن ملامحها «ذابت بفعل التعذيب والدفن في الرمال».
وأضاف البرش أن «بعض الجثامين تعرضت للدهس بالدبابات أو إطلاق النار المباشر، بينما فُقدت ملامح عدد آخر منها تماماً»، مؤكداً أن الجهات المختصة ستمنح الأهالي فرصة للتعرف إلى ذويهم عبر الملابس أو بقايا المقتنيات الشخصية.
وأوضح أن 75 عائلة فقط تعرفت على جثامين ذويها من أصل 255 جثماناً تم الإفراج عنها منذ وقف إطلاق النار، بينما دُفن أكثر من 120 جثماناً مجهول الهوية حتى الآن.
يمثل ملف الجثامين أحد أكثر الملفات الإنسانية حساسية وتعقيداً بين إسرائيل و«حماس» منذ حرب غزة الأخيرة، إذ يستخدمه الطرفان كورقة تفاوضية ضمن معادلة أوسع تشمل تبادل الأسرى وترتيبات ما بعد الحرب.
ورغم الضغوط الأميركية والدولية لإنهاء هذا الملف سريعاً، فإن غياب الثقة بين الجانبين، وتعدد الوسطاء (من مصر إلى قطر والولايات المتحدة)، يجعل من أي تقدم ميداني محدوداً وقابلاً للانتكاس في أي لحظة.
ويرى مراقبون أن عرض «القسام» الأخير، رغم طابعه الإنساني، يعكس محاولة من الحركة لاستعادة زمام المبادرة في ظل تراجع دورها الميداني بعد الحرب، بينما تسعى إسرائيل إلى إبقاء الملف مفتوحاً كورقة ضغط تفاوضية على «حماس» لتليين مواقفها بشأن مستقبل الحكم في غزة.
وفي ظل غياب رؤية واضحة لآلية ما بعد الهدنة، يُتوقع أن يبقى ملف الجثامين رهينة التوظيف السياسي، بين من يراه «مطلباً إنسانياً بحتاً» ومن يعتبره «أداة ضغط» ضمن صراع النفوذ والشرعية في القطاع.