مصر التي لا تغيب: افتتاح المتحف المصري الكبير بمشاركة عالمية غير مسبوقة

79 وفداً رسمياً وملوك ورؤساء من القارات الخمس يشهدون ولادة "أكبر متحف في التاريخ"

2025.11.01 - 04:32
Facebook Share
طباعة

في مشهد يختزل خمسة آلاف عام من المجد الإنساني، شهدت مصر، مساء السبت، حدثاً يوصف بأنه الأضخم ثقافياً في القرن الحادي والعشرين، بافتتاح المتحف المصري الكبير، الواقع على أعتاب أهرامات الجيزة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومشاركة 79 وفداً رسمياً من شتى بقاع الأرض، بينهم 39 وفداً برئاسة ملوك ورؤساء دول وحكومات.


الحدث الذي طال انتظاره تحول إلى مهرجان عالمي للثقافة والإنسانية، يربط ماضي مصر العريق بحاضرها المتجدد، ويجسد رؤيتها لتكون "جسراً حضارياً بين الشعوب" كما جاء في البيان الرسمي للرئاسة المصرية.

 

رحلة 30 عاماً من الحلم إلى الافتتاح التاريخي

يروي المتحف المصري الكبير قصة بدأت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حين طُرحت فكرة إنشاء صرح عالمي يليق بتراث الفراعنة.
وقال رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي إن المشروع "مرّ بمراحل عسيرة"، إذ توقّف العمل فيه عقب أحداث 2011، قبل أن يوجّه الرئيس السيسي بإعادة إحيائه ضمن خطة الدولة لتطوير البنية التحتية الثقافية والسياحية.

وأوضح مدبولي أن "أكبر حجم من الأعمال تحقق في السنوات السبع الأخيرة"، واصفاً المتحف بأنه "هدية مصر للعالم، ومشروع يفخر به كل مصري"، مشيراً إلى أنه استغرق أكثر من 20 عاماً من التخطيط والبناء، بتكلفة تجاوزت مليار دولار.

 


أيقونة معمارية تطل على أهرامات الجيزة

يمتد المتحف على مساحة ضخمة تتجاوز 500 ألف متر مربع، ويُعدّ أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم.
صُمم بتكامل بصري يجعل الأهرامات الثلاثة خلفيته الطبيعية، في مشهد بانورامي فريد يربط عبقرية المعمار القديم بروح التصميم المعاصر.
ويضم المتحف قاعات عرض شاهقة السقف، صُممت لتجعل الزائر يعيش تجربة بصرية وروحية تحاكي أجواء المعابد الفرعونية، إلى جانب مساحات تعليمية وثقافية ومناطق ترفيهية ومراكز ترميم متقدمة.

 


من العالم إلى القاهرة: حشد دبلوماسي غير مسبوق

وفق المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير محمد الشناوي، فإن الحفل حضره ملوك وأمراء وأولياء عهد من بلجيكا، إسبانيا، الدنمارك، الأردن، البحرين، سلطنة عمان، الإمارات، السعودية، لوكسمبورغ، موناكو، اليابان، تايلاند وغيرها.

كما شارك رؤساء دول من بينها: فلسطين، ألمانيا، البرتغال، أرمينيا، كرواتيا، جيبوتي، الصومال، قبرص، ألبانيا، بلغاريا، كولومبيا، الكونغو، غانا، إريتريا، غينيا الاستوائية، إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي الليبي ورئيس مجلس القيادة اليمني.

وحضر أيضاً رؤساء وزراء اليونان والمجر وبلجيكا وهولندا والكويت ولبنان ولوكسمبورغ وأوغندا، فضلاً عن وزراء وبرلمانيين من أكثر من 50 دولة.

كما شاركت المنظمات الدولية بقوة، من بينها الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، في تأكيد على البعد الثقافي والدبلوماسي للمتحف كرمز للتواصل الإنساني.

 


توت عنخ آمون يطلّ من جديد

من أبرز مفاجآت المتحف عرضه مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة لأول مرة تحت سقف واحد.
وتضم المجموعة نحو 5 آلاف قطعة جنائزية، من بينها القناع الذهبي الشهير والعربة الملكية والأسلحة والمجوهرات.

وسيتمكن الزوار، بدءاً من الثلاثاء المقبل، من مشاهدة 4500 قطعة أثرية نُقلت بعناية من المتحف القديم في ميدان التحرير إلى قاعات العرض الحديثة.

 


المتحف والاقتصاد الثقافي: مصر تستعيد مكانتها السياحية

يمثل الافتتاح تتويجاً لجهود مصر في استعادة مكانتها على خريطة السياحة العالمية، إذ بلغ عدد السياح 15 مليون زائر في الأشهر التسعة الأولى من 2025، بإيرادات بلغت 12.5 مليار دولار، بزيادة 21% عن العام الماضي.
وتتوقع الحكومة أن يصل العدد إلى 18 مليون سائح بحلول عام 2026، بفضل ما تصفه بـ"السياحة الثقافية المتجددة" التي يقودها المتحف المصري الكبير كوجهة أولى في الشرق الأوسط.

كما يُنتظر أن يوفر المتحف آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وأن يسهم في تحريك قطاعات الخدمات والفندقة والنقل والطيران.

 


احتفالية تليق بمكانة مصر

حرصت الدولة على إبقاء تفاصيل الحفل في طي الكتمان، في مشهد أقرب إلى الدهشة المقصودة، مع وعد بـ"عرض بصري وفني غير مسبوق" يعكس روح الحضارة المصرية القديمة برؤية معاصرة.
وأكد الرئيس السيسي خلال اجتماعه الأخير مع اللجنة المنظمة أن "الاحتفالية يجب أن تليق بمكانة مصر، وأن تُبرز عبقرية شعبها وإبداعه الممتد منذ آلاف السنين".

 

من الربيع العربي إلى "ربيع الحضارة"

لم يكن طريق الافتتاح سهلاً، فقد أُجّل مراراً بسبب الاضطرابات السياسية وجائحة كورونا، ثم التوترات الإقليمية خلال حرب غزة 2025.
لكنّ الإصرار المصري على أن يكون الافتتاح في أجواء مستقرة وزخم عالمي جعل هذا اليوم يتجاوز بعده المحلي، ليُصبح رمزاً لاستعادة مصر دورها القيادي في الثقافة والسياحة العالمية.

 

الرسالة الأعمق: مصر التي لا تغيب

افتتاح المتحف لا يقتصر على إنجاز معماري، بل يمثل إعلاناً عن مصر كقوة ناعمة عالمية قادرة على توظيف تاريخها لبناء مستقبلها.
ويصفه مؤرخون بأنه "الهرم الرابع"، ليس لأنه يجاور أهرامات الجيزة فحسب، بل لأنه يمثل ذروة متصلة للحضارة المصرية التي ما زالت تنبض بالحياة.


مصر تعيد كتابة التاريخ

في اللحظة التي أضاءت فيها أنوار المتحف المصري الكبير، كانت القاهرة تعلن للعالم أن الحضارة لا تموت، وأن المصريين، أحفاد بناة الأهرام، قادرون على أن يجعلوا من الماضي وقوداً للمستقبل.
فهذا الافتتاح ليس مجرد احتفاء بالماضي، بل انطلاقة جديدة لدبلوماسية الثقافة المصرية، التي تعيد وصل الشرق بالغرب تحت شعار:
"من هنا بدأت الحضارة... ومن هنا تستمر."

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 4