يعود ملف التعاون الزراعي بين لبنان وسوريا إلى الواجهة مع تزايد مؤشرات الشح المائي هذا الخريف، وتدهور قدرات الدولة اللبنانية على دعم المزارعين في مواجهة الجفاف وارتفاع كلفة الإنتاج فالمزارع اللبناني الذي يعيش منذ سنوات تحت وطأة الانهيار الاقتصادي وجد في الانفتاح الأخير بين الحكومتين فرصة لإنعاش قطاعٍ يحتضر، إلا أن التجارب السابقة تثير المخاوف من تكرار الخلل في ميزان المصالح بين البلدين.
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تراجع التبادل الزراعي المنظّم لصالح التهريب والفوضى الحدودية ومع عودة التواصل الرسمي بين بيروت ودمشق، برزت مساعٍ لإعادة تنظيم حركة المنتجات الزراعية. غير أنّ رئيس "الاتحاد الوطني للفلاحين اللبنانيين" إبراهيم ترشيشي يرى أن الكفة لطالما رجحت لصالح سوريا، إذ أغرقت المنتجات السورية الأسواق اللبنانية عبر المعابر، ما كبّد المزارعين اللبنانيين خسائر كبيرة بسبب الفائض وانخفاض الأسعار وفق تصريحاته لوسائل إعلام محلية.
الخلفية الاقتصادية تُظهر أن لبنان يعتمد على سوريا كممرّ رئيسي لتصدير منتجاته إلى الأسواق العربية، خاصة الخليجية، إلا أن هذا المسار ظلّ معطّلاً بفعل التوترات السياسية والإغلاق المستمر للأسواق السعودية أمام المنتجات اللبنانية منذ عام 2021 بالتالي، فإن أي انفتاح لبناني على دمشق يُقرأ كخيار اضطراري لفتح متنفسٍ بريّ بعد فشل البدائل البحرية والجوية المكلِفة.
أما السيناريوهات المحتملة، فتتراوح بين شراكة اقتصادية مدروسة يمكن أن تعيد التوازن التجاري وتخلق فرص تصدير جديدة، وبين تكرار نمط "الاعتماد الأحادي" الذي يُبقي لبنان سوقًا لتصريف المنتجات السورية دون حماية إنتاجه المحلي. السيناريو الإيجابي يفترض عقد اجتماعات تنسيقية دورية بين وزارتي الزراعة في البلدين، ووضع آلية رقابة مشتركة على الحدود للحد من التهريب وضبط الأسعار. أما السيناريو السلبي فيتمثل في استمرار الانفتاح غير المنظّم، ما قد يزيد من استنزاف المزارع اللبناني ويضاعف الفجوة في الميزان التجاري.
على المدى المتوسط، يبقى نجاح الانفتاح رهين إرادة سياسية واضحة تضع مصلحة المزارع اللبناني في الأولوية، ضمن سياسة زراعية وطنية توازن بين الانفتاح والتكامل. فبين الشحّ المناخي والانكماش الاقتصادي، تبدو الحاجة إلى "ريٍّ منظم" للعلاقة مع دمشق أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، حتى لا يتحوّل الانفتاح إلى موسم جديد من الخسائر بدل أن يكون بداية حصادٍ مستدام.