المتحف المصري الكبير.. صرح القرن الحادي والعشرين يفتح أبوابه للعالم

2025.10.31 - 03:38
Facebook Share
طباعة

تتجه أنظار العالم إلى القاهرة، حيث تستعد مصر غداً لافتتاح المتحف المصري الكبير رسميًّا بعد أكثر من عقدين من العمل ليصبح أضخم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، وواجهة حضارية تجمع تحت سقف واحد خلاصة خمسة آلاف عام من التاريخ المصري القديم. المشروع الذي تجاوزت تكلفته مليار دولار يمثل نقلة نوعية في مسار السياحة الثقافية، ليس فقط في مصر بل على مستوى العالم، إذ يُتوقع أن يستقبل أكثر من خمسة ملايين زائر سنويًا.


أيقونة معمارية على هضبة الجيزة.. "الهرم الرابع"

يقع المتحف على بعد كيلومترات قليلة من الأهرامات الثلاثة الشهيرة، وقد صممت شركة "هينغان بينغ" الإيرلندية واجهته الحجرية والزجاجية لتبدو كأنها "الهرم الرابع" المطل على هضبة الجيزة. يمتد المتحف على مساحة تتجاوز 50 ألف متر مربع من قاعات العرض، فيما يحتفظ بنحو 100 ألف قطعة أثرية تمثل ثلاثين أسرة فرعونية.
يهدف التصميم العصري إلى تحقيق التوازن بين الأصالة المصرية القديمة وروح الحداثة، مع إضاءة طبيعية مدروسة تعكس جمال النقوش والتماثيل دون الإضرار بها.

 

رمسيس الثاني.. الحارس الأول للمتحف

من اللحظة الأولى التي يدخل فيها الزائر إلى البهو الفسيح، يستقبله تمثال الملك رمسيس الثاني بارتفاع 11 مترًا ووزن 83 طنًا، ليكون بمثابة "الحارس الملكي" لبهو المتحف.
التمثال الذي اكتُشف عام 1820 قرب معبد ممفيس، تنقل عبر مواقع عدة من بينها محطة مصر في قلب القاهرة، قبل أن يُنقل في موكب ضخم إلى مقره الحالي عند مدخل المتحف.
رمسيس الثاني، الذي حكم مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، يُعد أحد أعظم الملوك في تاريخ الفراعنة، وقد جاب تمثاله العالم مرتين في جولات تعريفية، آخرها بين عامي 2021 و2025، قبل أن يستقر أخيرًا في المتحف المصري الكبير.

 

كنوز توت عنخ آمون.. المعرض الذهبي الأكبر في العالم

تُعد قاعة الملك توت عنخ آمون أبرز محاور الجذب داخل المتحف، إذ تحتضن للمرة الأولى مجموعة الملك الكاملة المكونة من أكثر من 4500 قطعة جنائزية، عُثر عليها في مقبرته السليمة بوادي الملوك عام 1922 على يد عالم الآثار البريطاني هاورد كارتر.
ويتصدر المعروضات القناع الذهبي المرصع بالأحجار الكريمة، وتوابيت الملك الثلاثة، أحدها مصنوع من الذهب الخالص يزن 110 كيلوجرامات.
هذا العرض المتكامل، المصمم وفق أحدث تقنيات العرض والإضاءة، يقدم للزائر تجربة بانورامية غير مسبوقة لعالم الفرعون الشاب الذي ألهم خيال العالم لأكثر من قرن.

 


مراكب الشمس.. رحلة إلى الخلود

يحتوي المتحف على مبنى خاص بمساحة 4000 متر مربع خُصص لعرض المركب الشمسي للملك خوفو، الذي يُعد أقدم وأكبر قطعة أثرية خشبية في العالم.
المركب، المصنوع من خشب الأرز والأكاسيا، اكتُشف عام 1954 عند قاعدة الهرم الأكبر، ويبلغ طوله نحو 43.5 مترًا.
ومن خلال جدار زجاجي، يمكن للزوار مشاهدة عمليات الترميم الجارية للمركب الشمسي الثاني الذي عُثر عليه عام 1987، في مشهد يجمع بين العلم والتراث الحي.

 


واجهة بانورامية على التاريخ

يرتفع المتحف بدرج ضخم تحفّه تماثيل لملوك وملكات مصر القديمة، يقود إلى واجهة زجاجية بانورامية تطل على أهرامات الجيزة، في مشهد يربط الماضي بالحاضر.
ويضم الطابق العلوي 12 قاعة تغطي 50 قرنًا من التاريخ المصري، من عصور ما قبل الأسرات حتى العصر اليوناني–الروماني، ما يجعل المتحف مرجعًا متكاملاً لتاريخ الحضارة المصرية.

 


مركز عالمي للبحث والترميم

لا يقتصر المتحف على كونه قاعات عرض فقط، بل يشمل مختبرات ترميم متقدمة ومكتبات ومركز مؤتمرات ومناطق تعليمية ومطاعم وأروقة تسوق.
كما يتيح المتحف للباحثين الوصول إلى مخازن مفتوحة تضم آلاف القطع الأثرية غير المعروضة، مما يجعله مركزًا دوليًا للبحث العلمي الأثري.

 

عشرون عامًا من البناء.. وتأجيلات متكررة

بدأ مشروع المتحف عام 2002 في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، لكنه واجه العديد من التحديات، من بينها أزمات التمويل، وجائحة كوفيد-19، والتوترات الإقليمية.
وقد افتتح جزئيًا في أكتوبر 2024 لاستقبال بعض المعارض التجريبية، إلى أن تقرر الافتتاح الكامل في نهاية أكتوبر 2025 في حدث عالمي سيحظى بتغطية واسعة، يحضره قادة ومسؤولون وشخصيات ثقافية من مختلف أنحاء العالم.

 

رمز القوة الناعمة المصرية

يشكل المتحف المصري الكبير ركيزة رئيسية لاستراتيجية مصر في توظيف القوة الناعمة لتعزيز مكانتها الثقافية والسياحية.
فهو ليس مجرد متحف، بل رسالة حضارية تؤكد قدرة مصر على حماية تراثها وتقديمه للعالم برؤية عصرية، لتصبح القاهرة من جديد عاصمة للثقافة الإنسانية.


عبور جديد من الماضي إلى المستقبل

بين جدران المتحف المصري الكبير، تتقاطع الأزمنة: من مراكب الشمس التي أبحرت في دروب الخلود، إلى رموز الملوك الذين شيدوا مجد الحضارة، لتعيد مصر اليوم إطلاق رحلتها الحضارية نحو المستقبل.
بهذا الافتتاح، لا تفتتح مصر متحفًا فحسب، بل تُعلن عن عبور جديد للحضارة المصرية نحو العالم، حيث يصبح المتحف المصري الكبير ليس فقط "هرمًا رابعًا"، بل جسرًا ثقافيًا بين الماضي والحاضر.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1