الإبادة الصامتة.. اختبار الدم والسيادة في حرب السودان المفتوحة

2025.10.31 - 03:20
Facebook Share
طباعة

تتعمق مأساة السودان يوماً بعد آخر مع اتساع رقعة العنف وتفاقم الانتهاكات، فيما تحولت مدينة الفاشر، كبرى مدن إقليم دارفور، إلى رمز جديد للفوضى والمجازر الجماعية. وفي ظل صمت دولي مريب، دعت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة إلى إنشاء هيئة قضائية مستقلة لمحاسبة مرتكبي الجرائم، مؤكدة أن ما يجري في الفاشر تجاوز حدود النزاع العسكري ليصل إلى جرائم ضد الإنسانية.

 


في بيان شديد اللهجة صدر اليوم الجمعة، أكدت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن السودان أن قوات الدعم السريع أقامت "هياكل قضائية موازية" خارج سلطة الدولة، في انتهاك مباشر لسيادة القانون.
وأشار البيان إلى أن سقوط مدينة الفاشر مثّل "نقطة تحول مأساوية" في الحرب، إذ تحولت المدينة إلى بؤرة للفظائع الممنهجة شملت القتل الجماعي والعنف الجنسي والتهجير القسري.

كما أوضح التقرير أن قوات الدعم السريع نفذت إعدامات جماعية ذات طابع عرقي، واستخدمت التجويع كسلاح حرب، ودمرت البنية التحتية المدنية بشكل متعمد، ما أدى إلى انهيار شبه كامل لمرافق المدينة الصحية والتعليمية.
ولم تستثن البعثة الأممية الطرفين، إذ أكدت أن كلًّا من الجيش السوداني والدعم السريع ارتكبا جرائم حرب على نطاق واسع.

 

لم يتأخر الموقف الدولي كثيراً؛ فقد أعرب مجلس الأمن الدولي عن "قلقه البالغ" إزاء التقارير الواردة من الفاشر، مؤكداً أن الوضع الإنساني بلغ مرحلة خطيرة بعد مقتل مئات المدنيين خلال الأسابيع الأخيرة.
وفي بيان رسمي، أدان المجلس الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع، مطالباً بوقف فوري للعنف وبإجراءات واضحة لمحاسبة الجناة.

البيان أشار تحديداً إلى الإعدامات الميدانية والاعتقالات التعسفية، داعياً إلى "محاسبة المسؤولين عنها بلا استثناء"، ومشدداً على ضرورة توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كامل الأراضي السودانية.

 


"أبو لولو".. اسم يتحول إلى رمز للوحشية

وسط تزايد الاتهامات، أعلنت قوات الدعم السريع أنها ألقت القبض على أحد أبرز المتهمين بارتكاب الفظائع في الفاشر، المعروف بـ"أبو لولو"، تمهيداً لمحاكمته.
المدعو "أبو لولو" كان قد ظهر في مقاطع مصورة وهو يقتل مدنيين عزلاً ويتفاخر بقتل نحو 900 سوداني، ما أثار موجة غضب محلية ودولية.

لكن إعلان اعتقاله قوبل بتشكيك واسع؛ إذ وصف حاكم دارفور مني أركو مناوي الخطوة بأنها "مسرحية سمجة"، معتبراً أنها محاولة من قيادة الدعم السريع لتجميل صورتها أمام المجتمع الدولي. وطالب باعتقال قائد الدعم السريع وأشقائه باعتبارهم المسؤولين الحقيقيين عن الانتهاكات.

 


من جانبها، سعت قوات الدعم السريع عبر ما يعرف بـ"تحالف السودان التأسيسي" إلى التخفيف من حدة الاتهامات، مشيرة إلى أن "الانتهاكات التي وقعت في الفاشر فردية ومرتكبة من عناصر غير منضبطة".
وأكد التحالف في بيان رسمي أنه تم اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاسبة المتورطين، وأن قوات الدعم السريع ملتزمة بحماية المدنيين، ملوحاً بتعاون مفتوح مع الجهات الدولية في التحقيقات الجارية.

غير أن مراقبين يرون في هذا البيان محاولة لتبرئة المؤسسة من الجرائم، بينما الوقائع الميدانية تشير إلى هجمات ممنهجة ومنظمة لا يمكن تفسيرها بسلوك فردي.

 

نزوح متجدد.. وكارثة إنسانية في الأفق

في موازاة ذلك، تتواصل موجات النزوح بوتيرة متسارعة، حيث أعلنت شبكة أطباء السودان عن نزوح أكثر من 4 آلاف شخص من محلية بارا في شمال كردفان خلال أيام قليلة، هرباً من تدهور الأوضاع الأمنية واستمرار الانتهاكات.
كما أكدت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من ألف شخص نزحوا خلال يومين فقط، مشيرة إلى أن إجمالي النازحين في الولاية تجاوز 35 ألف شخص خلال الأسبوع الأخير.

وتحذر المنظمات الإنسانية من أزمة حادة في الغذاء والمياه والمأوى، في ظل انعدام الدعم الدولي وتقييد وصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة، ما ينذر بـ"كارثة إنسانية واسعة النطاق" في الإقليم.

 


بين تقارير الأمم المتحدة وتحذيرات مجلس الأمن وبيانات الدعم السريع، يظل الواقع الميداني في الفاشر هو الشاهد الأقسى على انهيار الدولة السودانية وتفكك مؤسساتها.
فالمدينة التي كانت يوماً مركزاً تجارياً وثقافياً في دارفور، أصبحت اليوم مسرحاً لجرائم حرب وتهجير قسري، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزاً عن وقف النزيف.

ومع كل يوم جديد، تتسع رقعة المأساة ليصبح السودان كله دارفور جديدة، ما لم يتحرك العالم لفرض آلية عدالة مستقلة تضع حداً للإفلات من العقاب وتفتح الباب أمام سلامٍ حقيقي في بلدٍ أنهكته الحروب.

 


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 6