في ظلّ تصاعد التوترات على الحدود الجنوبية للبنان واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وجّه وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي نداءً مباشراً إلى ألمانيا لدعم الموقف اللبناني في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، داعياً برلين إلى ممارسة ضغط سياسي ودبلوماسي على تل أبيب لوقف عدوانها والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، والالتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار.
جاءت تصريحات رجي خلال لقائه نظيره الألماني يوهان فاديفول في بيروت، في زيارة وُصفت بأنها "ذات طابع أمني – سياسي"، وتهدف إلى بحث سبل دعم الاستقرار في لبنان والمنطقة، خاصة في ضوء المخاوف الأوروبية من اتساع رقعة المواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل.
وأكد الوزير اللبناني أن الحل الدبلوماسي وليس العسكري هو السبيل الوحيد لضمان استقرار الجنوب، مشدداً على أن الحكومة اللبنانية "تسير بخطوات تدريجية لتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة"، وأن الجيش اللبناني يقوم بدوره كاملاً في ضبط الأمن وحماية الحدود.
وأضاف رجي أن تمكين الدولة من السيطرة على السلاح يُعدّ المدخل الأساسي لإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، داعياً إلى تعزيز التعاون الثقافي والتعليمي مع ألمانيا، وزيادة المنح الدراسية للطلاب اللبنانيين ضمن برامج الدعم الأوروبية.
من جانبه، أبدى الوزير الألماني تضامن بلاده مع لبنان في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، مؤكداً أن الاعتداءات الإسرائيلية "غير مقبولة"، وأن على إسرائيل احترام سيادة لبنان والالتزام بوقف الأعمال العدائية وفق قرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 1701.
وأشار فاديفول إلى أن بلاده تعتبر "نجاح الحكومة اللبنانية في حصر السلاح بيد الدولة" عاملاً حاسماً لتعزيز ثقة المجتمع الدولي بقدرة لبنان على فرض سيادته، موضحاً أن فشل هذه الخطوة يبعث إشارة سلبية إلى المجتمع الدولي بشأن مستقبل الدولة اللبنانية.
كما تناول اللقاء ملف النازحين السوريين، حيث أكد الوزير الألماني دعم بلاده للموقف اللبناني الداعي إلى عودة النازحين بشكل آمن ومنظّم، مشدداً على ضرورة إيجاد آلية دولية متوازنة تتعامل مع القضية بعيداً عن التسييس.
وفي ما يخصّ مستقبل قوات اليونيفيل، ناقش الوزيران الأفكار المطروحة بعد انتهاء فترة تفويضها، مع تأكيد الجانبين على أهمية استمرار التنسيق بين الجيش اللبناني والقوات الدولية لتفادي أي فراغ أمني في الجنوب.
يأتي اللقاء في توقيت حساس، إذ تخشى أوروبا من أن يتطور الاشتباك الحدودي بين إسرائيل و"حزب الله" إلى مواجهة شاملة تُهدد استقرار شرق المتوسط.
ويعكس طلب رجي من ألمانيا – وهي واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي تحافظ على قنوات اتصال مفتوحة مع إسرائيل ولبنان في آن واحد – محاولة لبنانية لاستثمار الدور الأوروبي في كبح جماح التصعيد الإسرائيلي دون الانزلاق نحو حرب جديدة.
في المقابل، ترى مصادر دبلوماسية في بيروت أن برلين تسعى بدورها إلى منع انهيار الاستقرار الهش في الجنوب، لما لذلك من انعكاسات مباشرة على مصالح الاتحاد الأوروبي وأمن الطاقة في البحر المتوسط.
بين المساعي اللبنانية لتثبيت السيادة، والمخاوف الأوروبية من انفجار جديد، تبدو بيروت عالقة في معادلة صعبة: ضغوط إسرائيلية عسكرية متواصلة، وتحديات داخلية تتعلق بسلطة الدولة والسلاح غير الشرعي.
وفي حين يراهن لبنان على الدعم الأوروبي لتفادي الانفجار، تبقى الأزمة رهن التحولات الإقليمية والضمانات الدولية التي لم تتبلور بعد بشكل عملي.