بين القبول والتحفظ.. واشنطن تقترب من إعلان خطة دولية لإدارة الأمن في غزة

2025.10.30 - 03:44
Facebook Share
طباعة

تتحرك الإدارة الأمريكية بخطى متسارعة نحو بلورة خطة جديدة لنشر قوة دولية في قطاع غزة، في إطار ما تسميه "قوة الاستقرار الدولية" (ISF)، وهي مبادرة تراهن عليها واشنطن لضمان الأمن وتهيئة الأرضية لانسحاب إسرائيلي جزئي وإعادة إعمار القطاع. إلا أن المشروع الذي تقوده القيادة المركزية الأمريكية ما يزال يثير جدلاً واسعاً بين الأطراف المعنية، وسط تساؤلات عن فرص نجاحه في بيئة سياسية وأمنية بالغة التعقيد.


ملامح الخطة الأمريكية

بحسب تسريبات موقع "أكسيوس"، فإن الخطة الأمريكية تتضمن إنشاء جهاز شرطة فلسطيني جديد يخضع لتدريب وإشراف أمريكي ومصري وأردني، على أن تدعمه قوة متعددة الجنسيات من دول عربية وإسلامية. وتؤكد المصادر أن دولاً مثل إندونيسيا وأذربيجان ومصر وتركيا أبدت استعداداً مبدئياً للمشاركة، فيما تتحفظ دول أخرى خشية الانزلاق في مواجهة مفتوحة مع حماس.

وتنص الخطة على أن نشر القوة الدولية يمثل شرطاً أساسياً لانسحاب إسرائيلي إضافي من نصف أراضي غزة التي لا تزال تحت سيطرته. وستتولى القوة تأمين الحدود مع مصر وإسرائيل ومنع تهريب الأسلحة، إضافة إلى فرض الأمن الداخلي وتهيئة الظروف لبدء عملية إعادة الإعمار.


الدور الأمريكي والخليجي

تتولى القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) إعداد التصور النهائي للخطة، بينما تشارك دول خليجية في تمويلها ودعمها السياسي. ويرى مسؤولون أمريكيون أن الخطة تمثل خطوة ضرورية لتجنب عودة الحرب، لكنها تحتاج إلى "تنفيذ حذر وبطيء"، بحسب تعبير أحدهم: "لن نحصل على فرصة ثانية إذا فشلنا في هذه الخطوة."

ويجري المبعوثان الأمريكيان جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، إلى جانب نائب الرئيس فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، مشاورات مكثفة مع القيادات الإسرائيلية لترتيب تفاصيل الخطة، بينما تعمل واشنطن على صياغة مشروع قرار في مجلس الأمن يمنح القوة تفويضاً قانونياً دون أن تكون بعثة تابعة للأمم المتحدة.


مواقف الأطراف المعنية

إسرائيل: تبدي تحفظاً على مشاركة تركيا، وتطالب بأن تكون القوة ذات "شرعية محلية واستعداد قتالي" أكثر من كونها كبيرة العدد. تخشى تل أبيب أن تتحول القوة إلى عائق أمام تحركاتها العسكرية إذا فشل المشروع.

حماس: لم تُبدِ موقفاً رسمياً بعد، لكنها تخضع لضغوط من مصر وقطر وتركيا للتعامل بإيجابية. وتشترط ضمانات بعدم ملاحقة عناصرها في حال القبول بالخطة، وعفواً عاماً يمنع تصفيتها سياسياً أو أمنياً.

تركيا وقطر ومصر: تعتبرها واشنطن أطرافاً محورية يمكنها التأثير في حماس، رغم اعتراض إسرائيل على الدور التركي تحديداً.

الدول المشاركة المحتملة: تتردد معظمها في إرسال قوات إلى غزة خوفاً من التورط في نزاع مباشر مع الفصائل أو التعرض لهجمات إسرائيلية.

 

عقبات التنفيذ

أبرز التحديات التي تواجه المشروع تتمثل في:

رفض محتمل من حماس التي قد تعتبر القوة "قوة احتلال".

الانقسام الفلسطيني الداخلي وغياب سلطة موحدة في القطاع.

هشاشة الوضع الأمني بعد انهيار الهدنة الأخيرة وتجدد الغارات الإسرائيلية على رفح.

التباين في المواقف الإسرائيلية والأمريكية بشأن حدود تفويض القوة.

مخاوف من تكرار إخفاقات بعثات مشابهة في لبنان وأفغانستان.

 


يرى مراقبون أن خطة "قوة الاستقرار الدولية" تمثل امتداداً لمشروع إدارة ترامب لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني، عبر ربط إعادة الإعمار بالأمن ونزع سلاح الفصائل. لكنها تواجه تحديات سياسية حقيقية، أبرزها فقدان الثقة بين الأطراف، وغياب ضمانات بعدم انحياز القوة إلى طرف على حساب آخر.

كما يشير محللون إلى أن المشروع قد يعيد طرح سؤال السيادة الفلسطينية، إذ إن بقاء القوة تحت إشراف أمريكي مباشر يعني عملياً إدارة أمنية خارجية للقطاع، ما قد يثير رفضاً داخلياً واسعاً.

في المقابل، يرى أنصار الخطة أنها قد تشكل "فرصة نادرة" لوقف الدمار وبدء عملية سياسية جديدة، إذا ما تمكّنت واشنطن من تأمين قبول متوازن من إسرائيل وحماس والدول الإقليمية الرئيسية.

 

منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، فشلت كل محاولات فرض ترتيبات أمنية مستقرة في القطاع. واليوم، بعد نحو عام من الحرب المدمرة، تحاول إدارة ترامب إحياء صيغة "الاستقرار عبر القوة"، في مسعى لفرض واقع أمني جديد يتيح عودة العملية السياسية.

غير أن نجاح الخطة يبقى مرهوناً بقدرة واشنطن على إقناع حماس وإسرائيل — الخصمين اللدودين — بقبول وجود قوة دولية في قلب الصراع، وهي مهمة تبدو حتى الآن أشبه بمغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 2