بين الحرب والمجاعة.. طرد مسؤولي الأمم المتحدة يفاقم معاناة السودانيين

2025.10.30 - 03:19
Facebook Share
طباعة

في وقت يعيش فيه السودان واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث، أعلنت وزارة الخارجية السودانية طرد اثنين من كبار مسؤولي برنامج الأغذية العالمي، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها ضربة قاسية لجهود الإغاثة في بلد يواجه أكثر من 24 مليون إنسان فيه خطر الجوع وسوء التغذية.

القرار، الذي طُلب بموجبه من مدير مكتب البرنامج ومنسق الطوارئ مغادرة البلاد خلال 72 ساعة دون إبداء أسباب، يأتي في مرحلة شديدة الحساسية، حيث تكافح وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للوصول إلى ملايين المتضررين من الحرب التي تمزق السودان منذ أكثر من عام ونصف.

 

قرار سياسي أم تصعيد جديد؟

برنامج الأغذية العالمي وصف القرار بأنه “مفاجئ وخطير”، مؤكداً أن تغييرات القيادة غير المخططة ستؤثر على قدرته في إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، خاصة في إقليم دارفور الذي يشهد موجة جديدة من المجازر والنزوح الجماعي.

مصادر دبلوماسية في الخرطوم تحدثت عن توتر متصاعد بين السلطات السودانية وبعض وكالات الأمم المتحدة، على خلفية تقارير تتحدث عن “انتهاكات واسعة” ارتكبتها قوات الدعم السريع في مناطق النزاع، ما اعتبرته الحكومة السودانية “تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية”.

 

الفاشر.. مدينة تحت النار

المأساة تتجلى بأوضح صورها في مدينة الفاشر، التي شهدت خلال يومين فقط مقتل نحو 2000 مدني على يد قوات الدعم السريع، وفق شهادات وتقارير ميدانية.
غير أن نقابة أطباء السودان تقول إن الأعداد الحقيقية “تفوق ذلك بكثير”، في ظل فوضى ميدانية، وتعتيم إعلامي ناتج عن مصادرة الهواتف وقطع الاتصالات في مناطق القتال.

وتشير مصادر طبية إلى أن عشرات الجثث ما تزال في الشوارع أو داخل منازل مهدّمة، وسط غياب تام لأي جهود إغاثية أو طبية، بينما تحدث شهود عن عمليات قتل جماعي واستهداف متعمد للمدنيين من قبائل الزغاوة والمساليت.

 

شهادات الأقمار الصناعية.. ومخاوف من "تطهير عرقي"

تقرير مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل الأميركية قدّم أدلة مدعومة بصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو على استمرار المجازر في الفاشر ومحيطها، مؤكداً أن ما يحدث “يرقى إلى مستوى جرائم تطهير عرقي”، في ظل استهداف جماعات سكانية على أساس عرقي واضح.

الأمم المتحدة أعربت عن “قلق بالغ” من الوضع، مؤكدة أن أكثر من 36 ألف شخص نزحوا منذ الأحد فقط، معظمهم باتجاه مدينة طويلة شمال دارفور، التي تحولت إلى أكبر مركز نزوح في السودان، وتضم الآن ما يزيد على 650 ألف نازح يعيشون في ظروف إنسانية قاسية تفتقر إلى الغذاء والماء والخدمات الطبية.


إنذار أخير قبل الانهيار الكامل

يرى محللون أن طرد مسؤولي “الأغذية العالمي” في هذا التوقيت يمثل مؤشراً على تصدع العلاقة بين الحكومة السودانية والمنظمات الدولية، وقد يفتح الباب أمام تراجع المساعدات بشكل كارثي.

ومع استمرار المعارك بين الجيش والدعم السريع، وتدهور الأوضاع المعيشية في الخرطوم ودارفور وكردفان، يبدو السودان متجهاً نحو انهيار شامل للنظام الإنساني والإغاثي، ما يهدد بحدوث مجاعة جماعية غير مسبوقة في القرن الأفريقي.


حرب تُغلق أبواب النجاة

بين حربٍ لا تنتهي ومجاعات تطرق الأبواب، يقف السودان أمام مشهد إنساني قاتم، حيث تتراجع فرص النجاة مع كل قرار سياسي يضعف عمل المنظمات الدولية.
وفي ظل غياب الحلول السياسية، يبقى المدنيون وحدهم من يدفعون الثمن، بين رصاص الحرب وجوعٍ لا يرحم.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3