يعود اسم مروان البرغوثي إلى الواجهة من جديد، بعد تصريحات نجله عن "استهداف ممنهج" يتعرض له داخل السجون الإسرائيلية، وتلميحات أميركية محتملة بشأن إمكانية إطلاق سراحه.
وبين الزنزانة التي يقضي فيها حكماً بالسجن المؤبد، والرمزية السياسية التي يمثلها في الوعي الفلسطيني، يقف البرغوثي مجدداً عند مفترق طريق قد يعيد رسم ملامح المشهد الفلسطيني بعد حرب غزة الأخيرة.
استهداف متواصل وصمت رسمي
في مقابلة مع قناة "العربية/الحدث"، كشف قسام البرغوثي، نجل القيادي الأسير، عن استهداف ممنهج يتعرض له والده داخل المعتقلات الإسرائيلية، مشيراً إلى اعتداءات متكررة ومحاولات لعزله عن بقية الأسرى.
وقال إن إسرائيل ترفض الإفراج عن والده بسبب رمزيته السياسية ووحدويته، مضيفاً أن العائلة لا تتواصل مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكنها تأمل في أن تلعب واشنطن دوراً في الضغط لإطلاق سراحه.
تصريحات قسام البرغوثي جاءت في وقت تشهد فيه السجون الإسرائيلية تصعيداً ضد الأسرى الفلسطينيين، خصوصاً أولئك الذين يمتلكون نفوذاً سياسياً وشعبية واسعة، ما يعكس خشية إسرائيل من تحوّل أي خطوة رمزية – كالإفراج عن البرغوثي – إلى مكسب سياسي لحركات المقاومة أو التيارات الوطنية في الضفة.
رسالة فدوى البرغوثي.. النداء إلى واشنطن
في السياق ذاته، وجهت فدوى البرغوثي، زوجة الأسير، رسالة علنية إلى الرئيس الأميركي عبر مجلة تايم، دعته فيها إلى التدخل للإفراج عن زوجها، معتبرة أن مروان "يمثل شريكاً حقيقياً للسلام العادل والدائم في المنطقة".
وقالت في رسالتها: "من أجل حرية الشعب الفلسطيني وسلام الأجيال القادمة، ساعد في إطلاق سراح مروان البرغوثي."
الرسالة جاءت عقب مقابلة مع ترامب ألمح فيها إلى أنه سيتخذ قراراً قريباً بشأن الملف، بعد أن سُئل عن إمكانية دعم الإفراج عن البرغوثي. ورغم غموض التصريحات، إلا أن مجرد ورود اسمه في حديث الرئيس الأميركي أعاد الأمل في إمكانية إعادة طرح القضية في المحافل الدولية.
من أوسلو إلى الزنزانة
يُعد مروان البرغوثي، البالغ من العمر 66 عاماً، أحد أبرز قادة الانتفاضة الثانية، ووجهاً سياسياً كان فاعلاً في مفاوضات أوسلو عام 1993.
اعتقلته إسرائيل عام 2002، وأصدرت بحقه حكماً بخمسة مؤبدات عام 2004، بتهم تتعلق بمسؤوليته عن عمليات مسلحة خلال الانتفاضة. لكنه رفض الاعتراف بالمحكمة الإسرائيلية، مؤكداً أنه أسير سياسي لشعب تحت الاحتلال.
ورغم مرور أكثر من عقدين على اعتقاله، لا يزال البرغوثي يتمتع بشعبية استثنائية في الشارع الفلسطيني، إذ يتصدر استطلاعات الرأي كأبرز مرشح محتمل لخلافة الرئيس محمود عباس، في وقت تعاني فيه حركة "فتح" من انقسامات داخلية وضعف في القيادة الميدانية.
رمزية سياسية تتجاوز السجن
تحول مروان البرغوثي من مجرد أسير إلى رمز للوحدة الوطنية، يجمع حوله شرائح مختلفة من الفلسطينيين، من "فتح" إلى "حماس"، ومن مؤيدي المقاومة إلى دعاة التسوية السياسية.
وترى أوساط سياسية أن استمرار اعتقاله يمثل عامل توازن في حسابات إسرائيل والولايات المتحدة، إذ تخشى تل أبيب أن يؤدي الإفراج عنه إلى إعادة إحياء التيار الوطني الجامع الذي قد يهدد البنية السياسية القائمة في الضفة الغربية.
في المقابل، ترى قوى فلسطينية أن الإفراج عن البرغوثي قد يشكل مدخلاً لإنهاء الانقسام الداخلي وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، خصوصاً مع اقتراب مرحلة ما بعد الحرب في غزة، واحتمال بروز ترتيبات جديدة للحكم في القطاع والضفة على حد سواء.
ترامب والاختبار الفلسطيني
تأتي هذه التطورات بينما يحاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب – الذي نُسب إليه الفضل في التوسط لوقف إطلاق النار الأخير في غزة – إعادة طرح نفسه كصاحب مبادرة في الملف الفلسطيني.
ويرى مراقبون أن موقف ترامب من قضية البرغوثي سيكون اختباراً حقيقياً لمدى استعداد واشنطن للتعامل مع رموز فلسطينية ذات ثقل شعبي، بعيداً عن النهج الأمني الذي ساد إدارة الصراع خلال العقود الماضية.
فالإفراج عن البرغوثي أو حتى التلميح بذلك، قد يُقرأ كإشارة إلى رغبة أميركية في إعادة بناء الثقة مع الشارع الفلسطيني، أو كجزء من صفقة أوسع لإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب في غزة.
بين الرمزية والواقع السياسي
بين جدران السجن وجدران السياسة، يظل مروان البرغوثي وجهاً حاضراً في الذاكرة الفلسطينية ورمزاً لجيل لم يغادر وعيه حلم الدولة والاستقلال.
وإذا ما تحركت واشنطن أو أطراف دولية نحو إعادة النظر في ملفه، فإن الإفراج عنه لن يكون مجرد خطوة إنسانية، بل حدثاً سياسياً قادراً على إعادة رسم الخريطة الفلسطينية من جديد، وربما فتح الباب لمرحلة مختلفة من العلاقة بين الفلسطينيين والعالم.