كانت اللاذقية يوماً ما تُعرف بـ"عروس الساحل السوري"، مدينة السياحة والبحر والجبال، ومقصد الزوار من الداخل والخارج. أما اليوم، فتبدو الصورة مختلفة تماماً: شوارع مكتظة بالنفايات، أحياء تغصّ بالمياه الآسنة، ومشكلات خدمية متراكمة تعجز السلطات المحلية عن التعامل معها بجدّية أو مسؤولية.
رصدت تقارير ميدانية من داخل المدينة مشهداً مقلقاً لواقعٍ خدمي ينهار يوماً بعد آخر، وسط تجاهل رسمي ولامبالاة واضحة من الجهات المعنية. السكان الذين ينتظرون موسم الشتاء بقلق، يخشون من تكرار الفيضانات التي باتت حدثاً سنوياً مأساوياً بسبب انسداد شبكات الصرف الصحي وعدم صيانتها منذ سنوات.
الأهالي يتحدثون عن ظاهرة لافتة زادت الطين بلّة: سرقة أغطية الفوهات المطرية المنتشرة في الشوارع. هؤلاء "النباشون" – كما يُعرفون محلياً – يقومون بخلع الأغطية المعدنية وبيعها في الأسواق الشعبية بأسعار زهيدة، دون أي رادع أو متابعة من السلطات. وتحوّلت هذه الفتحات المكشوفة إلى مصائد خطيرة للمارة والسيارات، خاصة في الليل أو أثناء الأمطار الغزيرة.
يقول أحد سكان حيّ المشروع السابع: "نخشى أن يسقط أحد أطفالنا في إحدى هذه الفتحات. نعيش كل شتاء في خوف، بينما الجهات المسؤولة لا تفعل شيئاً سوى إصدار الوعود."
ويعيد المواطنون إلى الأذهان الحادثة المؤلمة التي هزّت المدينة العام الماضي، حين سقطت فتاة في العقد الثاني من عمرها في فتحة صرف صحي مكشوفة على أوتوستراد الثورة، ما أدى إلى وفاتها غرقاً. الحادثة صُنّفت حينها كـ"قضاء وقدر"، لكنها بالنسبة لأهالي اللاذقية كانت نتيجة مباشرة للإهمال والفساد الإداري.
مصادر محلية تؤكد أن البلديات اكتفت بتشكيل "لجان أحياء" شكلية لمتابعة المشكلات الخدمية، دون أي نتائج حقيقية على الأرض. لا تنظيف، لا صيانة، ولا مساءلة. بل إن بعض الأحياء باتت تعتمد على مبادرات فردية من السكان أنفسهم الذين يجمعون المال لتنظيف مجاري الصرف وصيانة الأرصفة المتهالكة.
يقول أحد المتطوعين من حي الرمل الجنوبي: "نحن ننظف بأنفسنا لأن البلدية لا تأتي إلا لجمع الرسوم. لا معدات، ولا عمال، ولا حتى خطة واضحة. يبدو أننا تُركنا لمصيرنا."
ويشير مراقبون إلى أن الأزمة الحالية ليست فقط أزمة نفايات أو صرف صحي، بل تعكس واقعاً أعمق من الفوضى الإدارية والتقصير المزمن. فالمدينة التي كانت واجهة السياحة السورية تحوّلت إلى مرآة للفشل الخدمي الذي يطال معظم المحافظات الساحلية، حيث تتكدس الأزمات وتغيب الحلول.
ومع اقتراب موسم الأمطار، يطالب الأهالي بتحرّك عاجل من السلطات المحلية والوزارات المعنية لتدارك الكارثة قبل وقوعها، عبر إعادة تأهيل شبكات الصرف، وتركيب أغطية جديدة للفوهات المسروقة، وتنظيف الشوارع والمصارف من النفايات المتراكمة.
لكن الخشية الأكبر تبقى من أن تتكرر المآسي، كما في كل عام، حين تُغرق الأمطار المدينة وتتحول الشوارع إلى أنهارٍ من الطين والقمامة، فيما يبقى المواطن السوري هو من يدفع الثمن وحده — بين فسادٍ إداري ولامبالاةٍ رسمية وإهمالٍ مزمنٍ يبتلع المدينة ببطء.