في مشهد يعيد إلى الأذهان موجات التصعيد المتكررة في الضفة الغربية، شنّ الجيش الإسرائيلي فجر الأربعاء حملة مداهمات واعتقالات واسعة في عدد من مدن ومخيمات الضفة، تخللتها مواجهات وعمليات تفتيش قاسية، واحتجاز جماعي لعشرات المواطنين في ظروف مهينة.
وفق مصادر فلسطينية، اقتحمت القوات الإسرائيلية مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم واحتجزت أكثر من 44 مواطناً داخل منازلهم لساعات، خضعوا خلالها لتحقيقات ميدانية قبل الإفراج عنهم، وسط انتشار كثيف للجنود وتوتر بالغ بين السكان. كما داهمت القوات مخيم عايدة ومدينة الدوحة غرب بيت لحم، دون أن تعلن عن اعتقالات.
وفي نابلس، اعتُقل شاب من بلدة كفر قليل، فيما جرى تدمير محتويات عدد من المحال التجارية في مخيم بلاطة، ما ألحق أضراراً كبيرة بالبنية التجارية للمنطقة. أما بلدة حوارة فشهدت إغلاقاً قسرياً لمحالها التجارية تحت تهديد السلاح، في ظل ما وصفته رئيسة شعبة العلاقات العامة في البلدية، رنا أبو هنية، بأنه "حصار خانق واعتداءات متكررة من المستوطنين منذ فبراير 2023".
وشملت الحملة كذلك بلدة عزون شرق قلقيلية، حيث اعتُقل ثلاثة شبان ودُمرت منشأة زراعية، بينما اعتقلت القوات في رام الله والبيرة نحو 11 مواطناً، بينهم عشرة من دورا القرع، في عمليات وصفتها مصادر محلية بـ"الانتقامية"، بعد تعرض أحد أقارب المعتقلين للضرب المبرح ونقله إلى المستشفى.
تأتي هذه المداهمات ضمن ما تسميه إسرائيل "عمليات أمنية ضد مطلوبين"، غير أن الفلسطينيين يرون فيها سياسة ممنهجة لفرض واقع أمني خانق وتكريس سيطرة الجيش والمستوطنين في مناطق الضفة، لاسيما مع تزايد الاعتداءات على المزارعين خلال موسم قطف الزيتون، أحد أهم مصادر الدخل في الريف الفلسطيني.
منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في أكتوبر 2023، تشهد الضفة الغربية تصاعداً غير مسبوق في وتيرة الاقتحامات واعتداءات المستوطنين، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى وتهجير آلاف السكان من قراهم المحاذية للمستوطنات.
وفي يناير الماضي، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية موسعة بدأت من جنين وامتدت إلى طولكرم وطوباس ونابلس، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات، فيما يرى مراقبون أن حملة اليوم تأتي امتداداً لتلك السياسة التي تهدف إلى استنزاف البنية الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية وخلق بيئة طاردة للسكان.
تكشف الحملة الجديدة في الضفة عن تداخل واضح بين الأهداف العسكرية والسياسية الإسرائيلية، إذ تسعى تل أبيب إلى تحييد الجبهة الغربية ومنع أي توتر متزامن مع جبهة غزة ولبنان، مع استمرار سياسة "الضغط المتدرج" على المدنيين الفلسطينيين.
وفي المقابل، تبدو السلطة الفلسطينية عاجزة عن احتواء الموقف، فيما يُتوقع أن يتصاعد الغضب الشعبي مع استمرار الحصار والاعتداءات خلال موسم الزيتون، في مشهد ينذر بانفجار جديد في الضفة الغربية خلال الأسابيع المقبلة.