تغرق مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في بحر من الدماء بعد اجتياح قوات الدعم السريع لها، في واحدة من أبشع المجازر التي يشهدها السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 عشرات الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية كشفت مشهداً يفوق الوصف: بقع حمراء واسعة على الرمال، وأكوام جثث مدنيين قُتلوا بدم بارد، في مجازر وصفتها صحيفة تلغراف البريطانية بأنها «مرئية من الفضاء».
فبينما يدّعي قادة الميليشيا «تحرير المدينة»، تُظهر الوقائع أن ما جرى هو تطهير عرقي متعمد ضد السكان المدنيين، استُخدمت فيه كل أساليب الرعب والإبادة الجماعية.
جرائم ممنهجة موثّقة من الفضاء:
تحليل أجرته كلية ييل الأميركية للصحة العامة، عبر مختبر أبحاث الشؤون الإنسانية، أكد وجود «أجسام متجمعة بحجم الجثث البشرية» وتغيّرات في لون الأرض تميل إلى الحمرة، ما يدل على عمليات قتل جماعي كما وثّق الباحثون أدلة على «عمليات تفتيش من منزل إلى منزل»، في ما يشير إلى حملة تطهير عرقي منظمة تنفذها قوات الدعم السريع ضد مجموعات عرقية سودانية محددة.
ووفق التحقيق ذاته، فإن مواقع الجثث تتركز حول مواقع انتشار الميليشيا وعلى طول السواتر الرملية التي أقامتها حول المدينة، في حين أظهرت صور الأقمار الصناعية حركة نزوح كثيفة باتجاه الجنوب، مع وجود جثث متناثرة على أطراف المدينة.
ألفا قتيل في يومين:
تقديرات محلية وحقوقية، بينها تقارير من مرصد مشاد لحقوق الإنسان، تشير إلى أن حصيلة القتلى تجاوزت 2000 مدني خلال يومي 26 و27 أكتوبر، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن وأكد المرصد أن قوات الدعم السريع تمارس عمليات تصفية ميدانية للأسرى والمدنيين الذين يحاولون الفرار، في خرق صريح لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
صمت دولي يكرّس الجريمة:
ورغم فداحة الجرائم، فإن ردود الفعل الدولية جاءت باهتة ومحدودة، فيما تواصل الميليشيا إحكام قبضتها على المدينة مستخدمة سلاح الجوع والحصار كسلاح إضافي ضد المدنيين.
ويؤكد ناشطون أن غياب موقف حاسم من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي «يشجّع الجناة على التمادي»، وأن ما يجري في الفاشر اليوم يعيد للأذهان فصول الإبادة الجماعية التي شهدها إقليم دارفور قبل عقدين.
إن مشاهد الجثث المكدسة وبرك الدماء التي تراها الأقمار الصناعية ليست مجرد «تقرير صحفي»، بل صرخة توثّق جريمة مستمرة أمام أنظار العالم.
يرى مراقبون أن صمت المجتمع الدولي، في مقابل هذه المجازر، لا يُعد حياداً، بل تواطؤاً أخلاقياً مع القتلة الذين يحوّلون مدن السودان إلى مقابر مفتوحة.