مجازر الدعم السريع تكشف وجه الحرب في السودان

2025.10.29 - 09:55
Facebook Share
طباعة

في اليوم الثالث لسيطرة قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، تصاعدت الاتهامات حول ارتكابها تجاوزات واسعة النطاق بحق المدنيين، وسط صمت رسمي وتضارب في المواقف بين الأطراف المسلحة.
وقالت تنسيقية مقاومة الفاشر إن عناصر من قوات الدعم السريع نفذت عمليات تصفية ميدانية داخل المستشفى السعودي في المدينة، وهو المنشأة الطبية الوحيدة التي لا تزال تقدم خدمات محدودة في ظل حصار خانق وانقطاع شبه تام للاتصالات والكهرباء.

"تحقيقات" شكلية وتبريرات سياسية

في المقابل، نفى حسب النبي محمود، عضو الهيئة القيادية في تحالف "تأسيس" الموالي للدعم السريع، وقوع ما وصفه بـ"المجازر"، معلنًا أن التحالف شكّل لجان تحقيق للتحقق من الاتهامات.
لكن مراقبين اعتبروا أن هذه اللجان لا تتجاوز كونها إجراءات سياسية لتخفيف الضغط الدولي، خاصة بعد تزايد الدعوات لفتح تحقيق أممي مستقل في الانتهاكات الأخيرة بدارفور.

وقال محمود في مقابلة مع قناتي العربية والحدث إن ما جرى في الفاشر "حرب ضارية مع ميليشيات متحالفة مع الجيش"، مضيفًا أن ما يحدث في الإقليم "ليس سوى صراع مع فلول الإخوان"، في إشارة إلى القوات التي ما زالت موالية للجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

إدانة دولية وتحذيرات أممية

كانت منظمة الصحة العالمية قد أدانت الهجوم الذي تعرض له المستشفى السعودي، مشيرة إلى أنه المنشأة الطبية الوحيدة التي تواصل العمل جزئياً في الفاشر رغم الدمار المحيط بها، ودعت إلى وقف العمليات العسكرية فوراً، محذرة من تفاقم الأزمة الإنسانية بسبب انقطاع الاتصالات وصعوبة الوصول إلى المعلومات حول أوضاع المرضى والطواقم الطبية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن القتال في دارفور تسبب في نزوح مئات الآلاف خلال الأشهر الأخيرة، في وقت باتت فيه المنظمات الإنسانية عاجزة عن الوصول إلى معظم المناطق المنكوبة، خاصة بعد استهداف مخازن الإغاثة ونهب سيارات المنظمات الدولية.

إعدامات جماعية واتساع رقعة التطهير العرقي

وبحسب ما نقلته وكالة فرانس برس عن القوة المشتركة الموالية للجيش، فإن قوات الدعم السريع أعدمت أكثر من ألفي مدني أعزل منذ الأحد الماضي، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، بعد دخولها مدينة الفاشر.
وأكد مصطفى تمبور، نائب حاكم إقليم دارفور، أن ما جرى في الفاشر هو "جريمة منظمة ضد المدنيين"، مشيراً إلى أن الدعم السريع "مارست سياسة الأرض المحروقة"، وارتكبت "انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب".

وتأتي هذه التطورات في سياق تصاعد الحديث عن عمليات تطهير عرقي تقودها قوات الدعم السريع ضد مجموعات إثنية بعينها، لا سيما من قبائل الزغاوة والمساليت، في مشهد يعيد إلى الأذهان فظائع حرب دارفور الأولى مطلع الألفية، والتي قُتل فيها أكثر من 300 ألف شخص.

سيطرة كاملة على دارفور وتأسيس سلطة موازية

وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت الأحد الماضي سيطرتها الكاملة على الفاشر بعد حصار دام أكثر من 18 شهرًا.
وانتشرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر مسلحين يطلقون النار على مدنيين مقيّدين، فيما تظهر أخرى عمليات مداهمة واعتقال جماعي لسكان الأحياء الشرقية من المدينة.

ويشير مراقبون إلى أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر، آخر المدن الكبرى في دارفور، تمثل تحولًا استراتيجيًا في موازين الصراع، إذ بات الإقليم بالكامل تقريباً تحت نفوذها.
كما أقامت هذه القوات في دارفور هياكل حكم موازية، تتولى إدارة الشؤون المدنية وتجنيد مقاتلين جدد، في ما يشبه إنشاء كيان شبه مستقل عن الدولة السودانية.

حميدتي في دارفور.. مركز سلطة بديل

وتؤكد مصادر سودانية أن محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، يقيم فعليًا في دارفور، ويتخذ من الإقليم مركز قيادة ميدانيًا وسياسيًا لإدارة عملياته، بالتوازي مع مساعٍ لتوسيع التحالفات القبلية والسياسية في غرب السودان.
ويرى محللون أن حميدتي يسعى لتثبيت نموذج "الإقليم المستقل بحكم الأمر الواقع"، في مواجهة سلطة البرهان التي باتت محصورة في شرق البلاد.

نذر حرب أهلية شاملة

تتزامن مجريات الفاشر مع تحذيرات متكررة من اندلاع حرب أهلية شاملة، في ظل اتساع خطوط التماس بين الجيش والدعم السريع، وغياب أي أفق سياسي للحل.
كما يخشى مراقبون من أن تحول دارفور إلى قاعدة دائمة للدعم السريع قد يقود إلى تقسيم فعلي للبلاد، خاصة مع تصاعد المطالبات الدولية بفرض عقوبات على قادتها، وبدء تحقيقات دولية محتملة حول جرائم الحرب والانتهاكات الموثقة عبر صور الأقمار الصناعية وشهادات الناجين.

 


بدأ الصراع بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023 عقب فشل مفاوضات دمج القوات ضمن المؤسسة العسكرية.
ومنذ ذلك الحين، تحوّلت الحرب إلى نزاع مفتوح متعدد الجبهات، أدى إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وتشريد نحو 10 ملايين، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فيما يواجه السودان أسوأ أزمة إنسانية في تاريخه الحديث.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 6