تتابع وزارة الخارجية السورية قضية الشاب السوري محمد أحمد سليمان حسن (22 عامًا)، بعد تداول وثيقة قضائية عراقية تشير إلى صدور حكم بالإعدام شنقًا حتى الموت بحقه، من قبل محكمة جنايات النجف في العراق، بتهمة تتعلق بـ"الإرهاب"، إثر العثور على مقاطع مصورة للرئيس السوري أحمد الشرع منشورة في حسابه الشخصي على موقع "فيسبوك".
وأثار انتشار الوثيقة، التي تضمنت صورة قرار الحكم، جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بتحرك رسمي ودبلوماسي عاجل لإنقاذ الشاب، الذي وُصف بأنه “لم يرتكب جرمًا سوى نشر محتوى سياسي”.
وقال محمد الأحمد، مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية، في منشور عبر منصة إكس، إن الوزارة “تتابع القضية مع الحكومة العراقية عبر القنوات الرسمية”، مشيرًا إلى أنه يجري التحقق من صحة الوثيقة المنشورة ومتابعة الملف وفق الأصول القانونية والدبلوماسية المتبعة.
اعتقال وتعذيب واتهامات ثقيلة
يروي فؤاد سليمان، شقيق محمد، الذي أُفرج عنه لاحقًا ورُحِّل إلى سوريا، أن السلطات العراقية ألقت القبض عليهما في آذار 2025 أثناء وجودهما في العراق، قبل أن تفرج عنه وتُبقي شقيقه قيد الاحتجاز.
ويقول فؤاد إن التفتيش الذي أجري على هاتف محمد كشف عن صور ومقاطع للرئيس السوري أحمد الشرع، إضافة إلى فيديو يظهر عناصر من “الجيش السوري الحر” خلال أسر مقاتلين من ميليشيا “حركة النجباء” العراقية.
ويضيف أن شقيقه خضع لـ"تعذيب شديد وصعق كهربائي وضرب مبرح"، قبل أن يُجبر على الإدلاء باعترافات ملفقة تحت التهديد، تضمنت اتهامات بأنه “ينتمي إلى خلايا نائمة تابعة لحكومة الجولاني الإرهابية”، و“يتواصل مع الجيش السوري الحر” ويقوم بـ“إرسال إحداثيات عسكرية إلى سوريا”.
ويشير فؤاد إلى أن محكمة جنايات النجف أصدرت أيضًا أحكامًا بالسجن 15 عامًا بحق سوريين آخرين هما عمر معت هرموش ومحمد خورشيد، بتهم مختلفة، منها “إهانة” الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله، والتواصل مع أشخاص داخل سوريا.
تحرك قانوني وحقوقي
من جانبه، أعلن المحامي المعتصم الكيلاني، الخبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان، أنه تقدم بعريضة رسمية إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان – مكتب العراق، للمطالبة بوقف تنفيذ الحكم والتحقيق في الانتهاكات التي رافقت القضية.
وقال الكيلاني في منشور عبر “فيسبوك” إن القضية تمثل “انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان”، مؤكدًا أن الشاب السوري تعرض لـ"التعذيب والصعق الكهربائي والإجبار على توقيع اعترافات لم يطّلع على مضمونها"، دون تمكينه من توكيل محامٍ أو الدفاع عن نفسه.
وأوضح الكيلاني أن القضية تخالف نصوصًا واضحة في الدستور العراقي وقوانين المحاكمات الجزائية، منها المادة 19 التي تضمن حق المتهم بمحاكمة عادلة وعلنية، وتحظر انتزاع الاعترافات تحت الإكراه، إضافة إلى المادة 218 التي تبطل أي اعتراف يتم بالإجبار.
كما أشار إلى مخالفة القرار للقانون الدولي، وخصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) الذي يضمن الحق في الحياة والمحاكمة العادلة، واتفاقية مناهضة التعذيب (CAT) التي تلزم العراق بالتحقيق في مزاعم التعذيب ومحاسبة المسؤولين عنها.
وطالب المحامي بتجميد تنفيذ حكم الإعدام فورًا، وفتح تحقيق مستقل ومحايد بإشراف دولي، وضمان حق المتهم في الدفاع، إضافة إلى إرسال بعثة مراقبة قضائية أممية لمتابعة سير القضية ومراقبة العدالة.
القضاء العراقي يردّ
في المقابل، أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق بيانًا نفى فيه أن يكون سبب الحكم هو وجود صور أو مقاطع للرئيس السوري أحمد الشرع على هاتف المتهم، مؤكدًا أن ما تداوله البعض على وسائل التواصل الاجتماعي "غير دقيق".
وأوضح المجلس أن المتهم أدين على خلفية “تمجيد الإرهابي أبو بكر البغدادي”، ونشر محتوى “يحرض على العنف والكراهية ضد الجيش العراقي والحشد الشعبي”، إضافة إلى “نشر فيديوهات مسيئة تتضمن حرق صور رموز دينية بقصد إثارة الفتن”.
وأشار البيان إلى أن الحكم الصادر عن محكمة جنايات النجف “ليس نهائيًا”، وأنه سيُحال إلى محكمة التمييز الاتحادية للتدقيق والمراجعة قبل إقراره بشكل رسمي، مؤكدًا أن القضاء العراقي “ملتزم بضمان العدالة وحقوق المتهمين وفق القانون”.
متابعة سورية رسمية
من جهتها، أكدت الخارجية السورية استمرارها في متابعة الملف “أصولًا عبر القنوات الدبلوماسية”، حتى التحقق من ملابسات القضية وكافة تفاصيلها.
وقالت في بيانها إن “سلامة المواطنين السوريين في الخارج أولوية قصوى”، مشيرة إلى أن السفارة السورية في بغداد على تواصل مباشر مع الجهات العراقية المختصة لمتابعة المستجدات.
وتأتي هذه القضية في ظل تزايد المطالب الحقوقية والدبلوماسية بضرورة مراجعة الأحكام الصادرة بموجب قانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم 13 لعام 2005، الذي يرى حقوقيون أنه يُستخدم في حالات لا تنطبق عليها صفة “الإرهاب”، ما يشكل خرقًا لمبدأ الشرعية القانونية.