قُتل مدنيان وأصيب عدد آخر بجروح متفاوتة، اليوم الاثنين 28 تشرين الأول 2024، جراء استهداف حافلة نقل عام كانت متجهة من العاصمة دمشق نحو محافظة السويداء، برصاص مجهولين في منطقة متوترة أمنيًا منذ أشهر.
وذكرت شبكات محلية في السويداء أن الهجوم أسفر عن مقتل شاب وفتاة، فيما نُقل عدد من المصابين إلى مستشفى شهبا لتلقي العلاج، وسط تضارب في تحديد مكان وقوع الحادثة بدقة.
ونقلت شبكة الراصد المحلية عن أحد الجرحى قوله إن “الاستهداف وقع أثناء مرور الحافلة قرب حاجز يتبع للأمن العام في منطقة المطلة، الواقعة ضمن أراضي محافظة السويداء قرب مطار بلي العسكري”، مشيرًا إلى أن إطلاق النار تم من جهة مجهولة، ولم تُعرف هوية المنفذين بعد.
تضارب الروايات حول موقع الهجوم وهوية الفاعلين
ورغم غياب تأكيد رسمي حول الجهة المسؤولة، تعددت الروايات الميدانية. إذ تحدثت مصادر محلية عن أن الحادث وقع في منطقة محطة مرجانة بريف دمشق، بينما ذكرت أخرى أنه جرى عند مدخل السويداء الشمالي الخاضع لسيطرة قوات الأمن العام التابعة للحكومة السورية.
محافظة السويداء أصدرت بيانًا على صفحتها الرسمية عبر “فيسبوك”، أكدت فيه أن “الاستهداف تم على يد مجموعة خارجة عن القانون”، مشيرة إلى وقوع ضحايا وإصابات بين المدنيين، وأن الجهات المختصة باشرت التحقيقات لكشف الفاعلين.
وجاء في البيان:
“نُدين هذا العمل الجبان الذي يستهدف أمن المواطنين وسلامة الطرق العامة، وسنواصل ملاحقة كل من تسوّل له نفسه العبث باستقرار المحافظة”.
اتهامات متبادلة بين “الأمن” و“الحرس الوطني”
قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد حسام الطحان، وصف الحادثة بأنها “اعتداء إرهابي يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المحافظة”، معتبرًا أن الجريمة تأتي “كمحاولة يائسة لإرباك المشهد الأمني بعد استهدافات سابقة طالت مدنيين ودوريات أمنية خلال الأيام الماضية”.
وفي المقابل، أصدر “الحرس الوطني” التابع لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، بيانًا اتهم فيه الحكومة السورية بالوقوف وراء استهداف الحافلة، واصفًا ما حدث بأنه “عمل مدبّر نفذته عصابات تتبع لسلطات الأمر الواقع في دمشق”.
وقال البيان:
“دماء الأبرياء لن تذهب سدى، وكرامة الجبل فوق كل اعتبار، وسنتصدى لكل أشكال الإرهاب مهما كان مصدرها”.
ردود رسمية ودعوات للتحقيق
محافظ السويداء مصطفى البكور عبّر عن تعازيه لذوي الضحايا، واصفًا ما جرى بأنه “جريمة مؤلمة ارتكبها مجهولون لا يعرفون للرحمة طريقًا”. ودعا عبر حسابه في “تلغرام” إلى “كشف الجناة سريعًا ومحاسبتهم”، مشددًا على ضرورة “تأمين الطرقات وحماية أرواح المدنيين من عبث الخارجين عن القانون”.
وفي تصريحات سابقة، كان البكور قد شكر وزارة الداخلية السورية والجهات المعنية “على جهودها في تأمين طريق دمشق – السويداء”، مشيرًا إلى أن الطريق “أصبح آمنًا أمام حركة النقل والتجارة”. إلا أن الحادثة الأخيرة أثارت مجددًا الشكوك حول قدرة الأجهزة الأمنية على ضمان سلامة المسافرين.
طريق محفوف بالمخاطر
ويُعدّ طريق دمشق – السويداء أحد أهم الشرايين الحيوية التي تربط المحافظة بالعاصمة، لكنه شهد خلال الأشهر الماضية سلسلة من الحوادث الأمنية والاشتباكات، ما أدى إلى إغلاقه مرارًا منذ منتصف تموز الماضي.
وكانت وزارة الداخلية السورية قد أعلنت في آب المنصرم عن استكمال الخطوات لتأمين الطريق وفتحه أمام حركة المدنيين والبضائع، مؤكدة التزامها “بتلبية احتياجات السكان وضمان تنقلهم بأمان”. إلا أن تكرار الحوادث يشير إلى هشاشة الإجراءات الأمنية المعلنة.
جذور التوتر الأمني في السويداء
تعود خلفية التصعيد في السويداء إلى أحداث 12 تموز الماضي، حين اندلعت اشتباكات على خلفية عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس، ذي الغالبية البدوية، وعدد من أبناء الطائفة الدرزية.
وتدخّلت الحكومة السورية في 14 من الشهر ذاته لفضّ النزاع، لكنّ تدخلها ترافق مع انتهاكات طالت مدنيين من الدروز، ما أثار غضب الفصائل المحلية التي ردّت بهجمات مسلّحة ضد مواقع حكومية.
وفي 16 تموز، انسحبت القوات الحكومية من المحافظة بعد تعرّضها لضربات إسرائيلية، تلتها أعمال انتقامية بين المكونات المحلية. وتدخّلت لاحقًا أطراف إقليمية، انتهت باتفاق بوساطة أميركية بين الحكومة السورية وإسرائيل، نصّ على وقف العمليات العسكرية في المنطقة.
حادثة اليوم... إنذار جديد
يرى مراقبون أن استهداف الحافلة يمثل حلقة جديدة في سلسلة التصعيد الأمني الذي يضرب السويداء، ويعكس هشاشة الوضع الميداني وغياب سلطة مركزية قادرة على ضبط الأمن. كما أنه يعيد التوتر إلى طريق دمشق – السويداء الذي يُفترض أنه “آمن” بحسب التصريحات الحكومية.
وتخشى الأوساط المحلية من أن تتكرر مثل هذه الحوادث في ظل تبادل الاتهامات بين الحكومة والفصائل المحلية، ما يهدد بانزلاق المحافظة مجددًا إلى دائرة الفوضى والاقتتال الداخلي.