مؤتمر "الأقليات" في تل أبيب يثير جدلًا واسعًا حول النوايا الإسرائيلية في سوريا

2025.10.28 - 06:12
Facebook Share
طباعة

 أثار مؤتمر عُقد في تل أبيب تحت عنوان “مؤتمر الأقليات” جدلًا واسعًا في الأوساط السورية والعربية، بعد أن دعا المشاركون فيه إلى إقامة كيانات مستقلة للأقليات داخل سوريا، في خطوة اعتبرها مراقبون “محاولة إسرائيلية جديدة لتفتيت النسيج الوطني السوري”.
المؤتمر، الذي انعقد في 27 تشرين الأول بدعوة من الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، حضره نحو ثلاثين شخصًا من جنسيات عربية وسورية، إلى جانب شخصيات إسرائيلية أكاديمية وسياسية وإعلامية.

من بين المشاركين السوريين كان حسن مرهج، الذي يقدّم نفسه خبيرًا في شؤون الشرق الأوسط ويعدّ ضيفًا دائمًا على القنوات الإسرائيلية. دعا مرهج خلال كلمته إلى “الانفصال وإقامة دويلات مستقلة للأقليات في سوريا”، معتبرًا أن “الواقع السياسي والميداني يفرض حلولًا جذرية تعيد توزيع السلطة بما يضمن حقوق الأقليات”.

وشارك في المؤتمر أيضًا تميم خرماشو، العضو في “مجلس المشرق” بالولايات المتحدة، والسياسي الأردني المقيم في إسرائيل عبد الإله المعلا، إلى جانب مروان كيوان، أحد شيوخ الطائفة الدرزية في السويداء، الذي شارك عبر تقنية الفيديو.
أما الجانب الإسرائيلي فمثّله عدد من الشخصيات المعروفة، أبرزهم الصحفي التلفزيوني زفي يحزقيلي، والمعلق على الشؤون العربية في قناة (I24)، والمؤرخ مردخاي كادر، والبروفسور موشيه كوهين إيليا، إضافة إلى عضو الكنيست أكرم حسون.

خلال مداخلته، شبّه حسون ما جرى لرجال الدين في السويداء بما تعرّض له اليهود على يد النازيين، واعتبر أن “المؤسسات الإسرائيلية ستقاتل بكل قوتها ما تسميه الإرهاب التكفيري”، داعيًا إلى “تأسيس مؤسسة عالمية تمثل الأقليات في الشرق الأوسط، قادرة على التأثير في الأمم المتحدة والمحاكم الجنائية الدولية لمحاسبة الإرهابيين”، على حدّ تعبيره.


توصيات المؤتمر: “مكتب ارتباط” و”منصة إعلامية” و”صندوق شكاوى”
خرج المؤتمر بعدة توصيات وصفت بأنها “ذات طابع سياسي وتنظيمي”، أبرزها تأسيس مكتب ارتباط إقليمي يضم شخصيات سياسية وناشطين من مختلف المكوّنات، على أن يُموَّل عبر تبرعات “من المهتمين بشؤون الأقليات في سوريا والعراق ولبنان وإسرائيل”.
وسيتولى هذا المكتب تنسيق الجهود ومتابعة التطورات المتعلقة بحقوق الأقليات وحمايتها.

كما أوصى المؤتمر بـاعتماد شركة حقوقية إسرائيلية ترتبط مباشرة بالمكتب، لتعدّ تقارير شهرية تُرفع إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ولجنة الأمن في الكنيست ووزارة الخارجية، مع إمكانية تقديم تقارير عاجلة في حال وقوع تطورات ميدانية أو سياسية “طارئة”.
كذلك أوصى بإنشاء منصة إعلامية رسمية تمثل مكتب الارتباط، تصدر نشرة نصف شهرية حول أوضاع الأقليات، وتسعى لبناء شراكات مع الصحف والمؤسسات الإعلامية الإسرائيلية “لتعزيز الشفافية”.

وشملت التوصيات أيضًا إطلاق صندوق خاص لتلقّي الشكاوى الفردية والجماعية من أبناء الأقليات، مع ضمان السرية التامة، بهدف توثيق الانتهاكات ومتابعتها ضمن إطار قانوني وإنساني واضح.

وأكد البيان الختامي للمؤتمر دعمه “محاربة جميع أشكال التطرف الأيديولوجي والديني والسياسي”، مشيرًا تحديدًا إلى تنظيمات مثل داعش وهيئة تحرير الشام، التي اتهمها بأنها “تحكم سوريا اليوم برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا)”.
كما شدد على “حق مكونات المنطقة في تقرير مصيرها بحرية، وفق الأطر القانونية والدولية”، داعيًا إلى “اعتماد أنظمة حكم محلية تراعي الخصوصيات الثقافية والدينية وتدعم التنمية والعدالة والمواطنة المتساوية”.


حضور سوري سابق في المؤتمرات الإسرائيلية
يُعيد هذا المؤتمر إلى الأذهان محاولات سابقة قام بها معارضون سوريون للتواصل مع إسرائيل قبل سقوط نظام الأسد.
من هؤلاء كمال اللبواني، الذي دعا في مقابلة مع موقع “إيلاف” إلى تدخل عسكري إسرائيلي ضد النظام مقابل “التخلي عن الجولان”، وشارك في مؤتمر حول مكافحة الإرهاب في تل أبيب عام 2014، ما أثار استنكارًا واسعًا في صفوف المعارضة السورية.

كما حضر عصام زيتون مؤتمر “هرتسليا” للأمن القومي في 2016 مدعيًا تمثيل “الجيش الحر”، في حين كشف تقرير لصحيفة “الأخبار” اللبنانية عام 2015 عن مراسلات بينه وبين ضباط إسرائيليين طلب فيها تسلّم مساعدات في مناطق الجنوب السوري.
أما فهد المصري، رئيس “جبهة الإنقاذ الوطني”، فقد وجه عام 2016 رسالة إلى الشعب الإسرائيلي دعا فيها إلى “سلام جديد” بين البلدين.


مشروع تقسيم جديد؟
يرى مراقبون أن المؤتمر الأخير يعكس استمرار المساعي الإسرائيلية لاستثمار الأزمات الإقليمية بما يخدم مصالحها السياسية والاستراتيجية.
أمين عام “الحركة الوطنية السورية” زكريا ملاحفجي وصف المؤتمر بأنه “مشروع بالغ الخطورة على النسيج الوطني السوري”، معتبرًا أنه يأتي في لحظة حساسة تشهد “إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية”.

وأضاف ملاحفجي في مقال رأي أن “إسرائيل لا تستضيف مؤتمرات إنسانية مجانًا”، مشيرًا إلى أن “أخطر ما يمكن أن تواجهه أي دولة هو انقسامها الداخلي، وهو الطريق الأقصر لإضعافها”.
وأكد أن “الردّ السوري الحقيقي لا يكون بالإنكار، بل بإعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة، وإحياء الثقة بين مكوّنات المجتمع كافة”.

وحذر ملاحفجي من أن إسرائيل تسعى لترسيخ فكرة “الشرق الأوسط الجديد”، حيث تتحول كل طائفة أو قومية إلى كيان مستقل، لتصبح الدولة العبرية “النموذج الشرعي الوحيد للدولة الدينية في المنطقة”.
وشدد على أن “وحدة السوريين هي الخطر الأكبر على المشروع الإسرائيلي، ولهذا تعمل تل أبيب على تغذية الانقسام الداخلي”.


الموقف السوري الرسمي
على الرغم من التطورات الأخيرة في الجنوب السوري، لم تتوقف المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، إذ كشفت مصادر دبلوماسية عن استمرار الاتصالات في باريس ولندن برعاية المبعوث الأمريكي توم براك، لكنها تعثرت بسبب تمسك إسرائيل بمطلب “الممر الإنساني إلى السويداء”.

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع قال في مقابلة مع شبكة “CBS” الأمريكية في 15 تشرين الأول إن “إسرائيل يجب أن تعود إلى خطوط ما قبل 8 كانون الأول 2024”، معتبرًا أن سوريا “لم تقم بأي استفزاز تجاه إسرائيل”، وأنها “لن تكون منصة لتهديد أي دولة مجاورة”.
وأوضح الشرع أن “إسرائيل تحاول جرّ سوريا إلى صراع عبر استفزازات متكررة تعتمد على القوة العسكرية”، واصفًا تلك السياسة بأنها “تهديد للاستقرار الإقليمي”.


التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري
منذ سقوط النظام السابق، توسّعت إسرائيل في عملياتها العسكرية داخل سوريا، واستهدفت بحسب التقارير نحو 80% من القدرات العسكرية السورية، رافعة شعار “حماية الدروز”.
وفي 30 نيسان الماضي، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس بيانًا أكدا فيه “التزام إسرائيل بحماية الطائفة الدرزية في سوريا”.

وخلال أحداث السويداء في تموز، شنّت إسرائيل هجمات استهدفت مواقع حكومية في دمشق ومحيط السويداء، بزعم “وقف مذبحة الدروز”.
وبعد تصاعد الاشتباكات بين الفصائل المحلية والقوات الحكومية، انسحبت الأخيرة من المدينة في 16 تموز، أعقبها انتهاكات وعمليات انتقامية ضد سكان البدو، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة لتسوية مؤقتة أفضت إلى اتفاق بوقف العمليات العسكرية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 7