يشكل التحرك الدبلوماسي الأخير بين القاهرة وواشنطن إشارة إلى تصاعد القلق الإقليمي والدولي من التدهور الخطير في السودان، بعد التطورات الميدانية في مدينة الفاشر التي تحولت إلى رمز جديد للمأساة السودانية فقد جاء الاتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس، ضمن مسار متسارع لإيجاد أرضية مشتركة تتيح وقف القتال وبدء حوار سياسي شامل.
يرى مراقبون تحرك مصر وفق مقاربة واضحة تقوم على دعم وحدة السودان واستقراره باعتباره عمقاً استراتيجياً للأمن القومي المصري، مع السعي لاحتواء الانهيار الذي قد يؤدي إلى تدفقات بشرية واسعة ونشوء بؤر عنف جديدة قرب حدودها الجنوبية أما واشنطن فتسعى من جانبها إلى استعادة نفوذها السياسي في الملف السوداني بعد فترة من التراجع، في مواجهة أدوار متنامية لقوى إقليمية أخرى.
تُظهر الاتصالات المكثفة بين العاصمتين رغبة مشتركة في تفعيل أدوات الضغط السياسي على أطراف النزاع، مع التركيز على حماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية، في ظل تقارير متزايدة عن مجازر وانتهاكات ارتُكبت بحق السكان في دارفور كما يُتوقع أن يشهد التنسيق المصري–الأمريكي تحركات جديدة في الأسابيع المقبلة، ضمن جهود "الرباعية الدولية" الرامية إلى إعادة الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات.
وتوضح خلفيات هذا التحرك أن القاهرة لا تسعى فقط إلى دور الوسيط، بل إلى منع السودان من الانزلاق الكامل نحو نموذج الدولة الفاشلة الذي سيهدد استقرار الإقليم برمّته بينما ترى واشنطن في الأزمة اختباراً لقدرتها على إعادة صياغة سياستها في أفريقيا، بعد الانتقادات التي طالتها بسبب بطء استجابتها الإنسانية خلال الأشهر الماضية.
في ظل استمرار المعارك وغياب الثقة بين الأطراف، يظل نجاح هذا التحرك رهناً بمدى استعداد الفاعلين الإقليميين للانتقال من إدارة الأزمة إلى معالجة جذورها السياسية والأمنية العميقة.