تعيش مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور كارثة إنسانية مروعة بعد أن سيطرت مليشيات "الدعم السريع" على المدينة، لتتحول خلال ساعات إلى ساحة مجازر دامية.
كيانات طبية وعسكرية أعلنت عن مقتل آلاف المدنيين وفقدان آخرين، وسط انقطاع الاتصالات بالكامل في مناطق واسعة من المدينة. وأكدت تقارير ميدانية أنّ عدد القتلى تجاوز ألفي شخص خلال يومين فقط (26 و27 أكتوبر)، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
في المقابل، أكدت منظمات إنسانية فقدان الاتصال بموظفيها، بينما بدأت تحركات دبلوماسية دولية عاجلة لاحتواء الموقف ومنع تفاقم الحرب الممتدة منذ 15 إبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع.
اتهامات بالجرائم الجماعية وطلب تصنيف “إرهابي”:
القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح المساندة للجيش وصفت ما جرى في الفاشر بأنه جرائم حرب وإبادة جماعية، مشيرة إلى أن "الدعم السريع" ارتكب عمليات قتل ممنهجة ضد المدنيين.
وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية بتصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية، ومحاسبة الدول الداعمة لها وعلى رأسها الإمارات، مؤكدة أن حقوق الضحايا “لن تسقط بالتقادم”.
اختطاف أطباء وابتزاز مالي بملايين الجنيهات:
في تطور صادم، أعلنت شبكة أطباء السودان أن قوات الدعم السريع اختطفت 6 كوادر طبية (4 أطباء، صيدلي، وممرض) من داخل مدينة الفاشر، مطالبة بفدية مالية بلغت 100 مليون جنيه سوداني لكل طبيب مقابل الإفراج عنهم.
وأكدت الشبكة أن ما يحدث “عمل إجرامي منظم” يستهدف تدمير ما تبقى من النظام الصحي، داعية منظمة الصحة العالمية والمنظمات الحقوقية للتدخل الفوري.
اختفاء المتطوعين ومأساة إنسانية متصاعدة:
أشارت لجان المقاومة في الفاشر إلى أن عدداً من المتطوعين في المطابخ الخيرية تمكّنوا من الفرار إلى مناطق آمنة، بينما لا يزال مصير معظم المتطوعين والأطباء والممرضين مجهولاً.
وأضافت أن المدنيين الباقين في المدينة “إما قتلوا أو اختفوا دون أثر”، مؤكدة أن المدينة أصبحت شبه خالية من السكان.
تحذيرات أممية من كارثة تطال 130 ألف طفل:
من جانبها، حذرت منظمة يونيسف من خطر بالغ يهدد نحو 130 ألف طفل ما زالوا محاصرين وسط القتال العنيف ونقص المياه والغذاء والدواء، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وتأمين الممرات الإنسانية.
أما صندوق الأمم المتحدة للسكان فأعلن فقدانه الاتصال بالكامل مع الطاقم الطبي في مستشفى النساء والولادة، وهو آخر المرافق الصحية العاملة في المدينة.
توثيق الانتهاكات بالفيديو:
تداول ناشطون مقاطع مصوّرة تُظهر مقاتلين من “الدعم السريع” وهم يطلقون النار على مدنيين وأسرى، ويعتدون على موظفي الهلال الأحمر بعد اقتحام مقره.
وتظهر اللقطات المقاتلين وهم يضربون العاملين بالعصي ويوجهون لهم أوامر عسكرية “للتأكد من أنهم ليسوا جنوداً متنكرين”.
نزوح جماعي إلى مناطق الحركة المسلحة:
وبحسب متطوعون من منطقة طويلة التابعة لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور أن مئات الأسر النازحة، أغلبهم نساء وأطفال، وصلوا إلى المنطقة في حالة إنسانية مأساوية، بعضهم مصابون بطلقات وشظايا، وآخرون يعانون من الجوع والعطش.
الخرطوم: ما حدث إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة
في بيان رسمي، أكدت وزارة الخارجية السودانية أن ما ارتكبته المليشيا في الفاشر هو إبادة جماعية عنصرية خططت لها منذ عامين عبر حصار وتجويع المدينة.
وقالت إن المجتمع الدولي تجاهل التحذيرات السابقة، ما سمح “بمواصلة الإرهاب والقتل وهتك الأعراض”، مشيرة إلى أن ما يجري “يوثق بفخر من مرتكبيه”.
البرهان يعلق على انسحاب القيادات من المدينة:
أعلن رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان أن القيادات الأمنية في الفاشر غادرت المدينة بعد تدميرها الكامل على يد قوات الدعم السريع، حفاظًا على حياة المدنيين، مؤكداً أن الخطوة تهدف لتجنيب المدينة “دماراً شاملاً”.
يرى مراقبون أن مجازر الفاشر واحدة من أسوأ الجرائم التي شهدها السودان منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام، في ظل صمت دولي مريب وتراخٍ أممي واضح وبينما تتكشف تفاصيل جديدة يومياً، تبقى الأسئلة معلقة:
هل سيحاسب العالم مرتكبي هذه الجرائم؟ أم ستُضاف الفاشر إلى قائمة المدن التي دُفنت إنسانيتها تحت رماد الحرب؟