في لحظة تكشف تداخل السياسة بالأمن والقضاء داخل إسرائيل، طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليوم الثلاثاء من محكمة القدس المركزية إنهاء جلسة محاكمته قبل موعدها بساعتين ونصف، مبررًا ذلك بانشغاله بـ"قضايا أمنية عاجلة". القرار، الذي وافق عليه القضاة بعد مداولات مغلقة، فتح الباب مجددًا أمام التساؤلات حول مدى تأثير موقع نتنياهو السياسي في مجريات العدالة، خصوصًا مع استمرار الحرب في غزة وتزايد الضغط الداخلي عليه.
بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، جاء طلب نتنياهو بعد مشاورات مغلقة مع هيئة المحكمة، انتهت إلى قبول تقصير الجلسة واستئنافها غدًا لتعويض الوقت المقتطع. وفي مستهل الجلسة، صرّح نتنياهو قائلًا: "هناك مناقشات أمنية منذ صباح اليوم، وهناك أمور لا يمكننا التطرق إليها هنا". وأكد محاميه عميت حداد أن "تطورات أمنية معينة" فرضت هذا الإجراء، دون الكشف عن طبيعتها.
القضية لا تبدو مجرد مسألة إجرائية، بل تعكس حالة من التوظيف السياسي للأمن في مواجهة المساءلة القانونية. فنتنياهو، الذي يواجه ثلاث قضايا فساد معروفة في إسرائيل بـ"الملفات 1000 و2000 و4000"، يحاول منذ سنوات الجمع بين إدارة الدولة والدفاع عن نفسه أمام القضاء، في معادلة يُنظر إليها داخليًا على أنها تهدد مبدأ الفصل بين السلطات.
النيابة العامة الإسرائيلية طالبت بتمديد جلسة الغد لتعويض الوقت الضائع، في حين أبدت هيئة القضاة تململها من بطء سير المحاكمة المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات.
ففي قرار سابق مطلع الشهر الماضي، رفض القضاة طلب محامي نتنياهو تقليص عدد الجلسات الأسبوعية، مؤكدين أن مرحلة الدفاع لا تزال في بدايتها رغم مرور سنوات على انطلاق القضية، وأن "الواجب المهني يفرض تسريع وتيرة العمل".
وأشار القرار القضائي آنذاك إلى قرب تقاعد القاضية فريدمان-فيلدمان، ما يستدعي تكثيف الجلسات إلى أربع أسبوعيًا لضمان عدم إعادة المحاكمة من بدايتها، وهو ما يضع دفاع نتنياهو تحت ضغط إضافي.
تزامن اختصار الجلسة مع ما وصفه نتنياهو بـ"تطورات أمنية عاجلة" يطرح تساؤلات حول مدى صدقية الذريعة الأمنية، خاصة في ظل تصاعد الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن إدارة الحرب في غزة، وموقف وزراء اليمين المتطرف مثل بن غفير وسموتريتش الذين يضغطون من أجل توسيع العمليات العسكرية.
كما يرى محللون أن نتنياهو يحاول استثمار "التهديدات الأمنية" لإظهار نفسه كـ"رجل دولة لا غنى عنه"، في وقت تتزايد فيه الدعوات لاستقالته أو لإجراء انتخابات مبكرة بعد عام من الحرب المستمرة.
منذ بدء محاكمته في عام 2020، استطاع نتنياهو الموازنة بين مقعد المتهم ومقعد رئيس الوزراء، مستفيدًا من حالة الطوارئ الأمنية والسياسية التي تعيشها إسرائيل.
لكن مع تزايد الضغط من الشارع الإسرائيلي ومن عائلات الرهائن، ومع استمرار انقسامات الحكومة حول مستقبل غزة، يبدو أن محاكمة نتنياهو لا تجري فقط في قاعة المحكمة، بل في ميدان السياسة والشارع الإسرائيلي أيضًا.
ومع كل جلسة تُختصر أو تُؤجل، تزداد القناعة بأن العدالة في إسرائيل باتت مرتبطة بموازين القوة أكثر مما ترتبط بسيادة القانون.