أنقرة تُرسل «عقلها الأمني» إلى دمشق: سفيرٌ برتبة مبعوث خاص لإعادة هندسة سوريا

2025.10.27 - 09:36
Facebook Share
طباعة

في خطوة تكشف عن نية تركية لإعادة هندسة المشهد السوري بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، أعلنت أنقرة تعيين نائب وزير خارجيتها نوح يلماز سفيراً في دمشق، خلفاً للقائم بالأعمال برهان كور أوغلو، الذي تولّى المنصب عقب سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي.


التحرك، الذي يأتي ضمن تغييرات واسعة في السلك الدبلوماسي التركي، يعكس توجهاً واضحاً لدى أنقرة لتثبيت نفوذها السياسي والعسكري في سوريا، في ظل صراع إقليمي متشابك تتصدره إسرائيل والولايات المتحدة.

يُعدّ يلماز أحد أبرز العقول التي صاغت المقاربة التركية تجاه سوريا خلال العقد الأخير. فالرجل ترأس «اللجنة التقنية التنسيقية» – الذراع التنفيذية لـ«المجلس الاستراتيجي الأعلى» المكلف بالملف السوري –، كما شغل سابقاً مناصب رفيعة في جهاز الاستخبارات التركي، حيث ساهم في رسم السياسات الميدانية لتركيا في شمال سوريا، وأدار علاقات معقدة مع الفصائل السورية، خاصة تلك التي شكّلت لاحقاً نواة «الجيش الوطني» المموَّل من أنقرة.

تعيين يلماز، وهو نائب وزير سابق، في منصب سفير يُعدّ كسراً للتراتبية الدبلوماسية داخل الخارجية التركية، لكنه في الوقت نفسه يعكس رغبة أنقرة في تحويل سفارتها بدمشق إلى غرفة عمليات سياسية وأمنية تُتابع عن قرب التوازنات الجديدة داخل السلطة الانتقالية السورية، وسط تمدّد إسرائيلي متزايد في الجنوب وتنافس أميركي–روسي على إدارة الشمال والشرق.

ويأتي القرار متزامناً مع دعم أميركي غير معلن لتوسيع الدور التركي في سوريا، إذ تسعى واشنطن إلى موازنة نفوذ موسكو وطهران عبر مبعوثها الخاص توماس براك، الذي يشغل أيضاً منصب السفير الأميركي في أنقرة، في حين يُتوقع تمديد مهمته خلال الأيام المقبلة.

بعد أكثر من 13 عاماً على تعيين آخر سفير تركي في سوريا، لا يمكن النظر إلى عودة أنقرة الدبلوماسية على أنها مجرد خطوة رمزية. فاختيار شخصية مثل يلماز يعني أن تركيا دخلت مرحلة إدارة الملف السوري بأدواتها الخاصة، عبر شخصية تجمع بين الخبرة الأمنية والدبلوماسية، ولها نفوذ مباشر داخل البنية السياسية والعسكرية للسلطة الانتقالية في دمشق.

ويبدو أن أنقرة استعجلت إرسال يلماز إلى دمشق قبل نهاية العام، في ظل تصاعد الخلافات بين «قسد» والسلطة الانتقالية حول اتفاق 10 آذار الموقع بين الرئيس أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي.

فتركيا تضغط بقوة على الأكراد سياسياً وإعلامياً، وتهدد بعملية عسكرية جديدة، بالتوازي مع تحريك جبهات ميدانية في ريف دير الزور الشرقي وريف حلب، بعد هدوء مؤقت فرضته واشنطن في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية.

ويُتوقّع أن يلعب السفير الجديد دوراً محورياً في التفاوض على إعادة توزيع مناطق النفوذ بين القوى الفاعلة في سوريا، خاصة بعد أن تمكنت إسرائيل من فرض خطوط حمراء على التمدد التركي في الوسط السوري، حين قصفت قاعدة كانت أنقرة بصدد إنشائها في ريف حمص في نيسان الماضي.

إلى جانب خلفيته الأمنية، يمتلك يلماز خبرة أكاديمية واقتصادية، إذ أدار مكتب مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA) في واشنطن بين عامي 2008 و2011، وشارك في برامج تدريبية داخل مؤسسات غربية، منها كلية الدفاع التابعة لـ«حلف الناتو».

وتراهن أنقرة على هذه الخبرة في تحويل نفوذها العسكري إلى مكاسب اقتصادية، خصوصاً مع فكّ تدريجي للعزلة الدولية عن دمشق ومحاولات واشنطن لرفع بعض العقوبات عن شخصيات في الحكومة الانتقالية.

نوح يلماز، البالغ من العمر 49 عاماً، يتقن العربية والإنكليزية إلى جانب التركية، ويحمل دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة «يلدريم بيازيد»، وبفضل علاقاته الواسعة داخل دوائر القرار في دمشق ومع القوى الإقليمية – من السعودية إلى روسيا – يُتوقع أن يكون أحد أهم اللاعبين في إعادة تشكيل النفوذ الإقليمي في سوريا خلال المرحلة المقبلة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 8