الجرائم الإلكترونية والضوابط الدولية: خطوة دولية تحت المجهر

2025.10.25 - 04:00
Facebook Share
طباعة

توقيع أكثر من 60 دولة في هانوي على أول معاهدة أممية لمكافحة الجرائم الإلكترونية يمثل لحظة مفصلية في التنظيم الدولي لفضاء الإنترنت، ويؤشر إلى إدراك عالمي متزايد لأهمية التصدي لجرائم مثل استغلال الأطفال والاحتيال وغسل الأموال، والتي تجاوزت الحدود الوطنية وألحقت أضرارًا اقتصادية واجتماعية هائلة.

لكن المعاهدة ليست مجرد أداة قانونية لتعزيز التعاون الدولي، بل تثير جدلاً واسعًا حول حدود السلطة وحرية الفضاء الرقمي. فبينما يرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في المعاهدة بداية لتنسيق عالمي أقوى، يحذر منتقدون من أن نطاقها الواسع قد يُسهل إساءة استخدام السلطة، ويتيح للحكومات استهداف المعارضين والصحافيين عبر مشاركة البيانات بين الدول.

مخاوف شركات التكنولوجيا والمنظمات الحقوقية ليست عشوائية، إذ يشير مشاركون في المفاوضات إلى أن المعاهدة قد تلزم الشركات بمشاركة بيانات المستخدمين، وهو ما يُستغل في بعض الدول الاستبدادية لملاحقة الباحثين في الأمن السيبراني والصحافيين.
هذا التحدي يضع المعاهدة على مفترق طريق بين ضمان الأمن السيبراني وحماية الحريات الرقمية.

من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل الواقع العملي الذي يفرضه ازدهار الجرائم الإلكترونية، خصوصًا في مناطق مثل جنوب شرق آسيا، حيث تُقدر الخسائر السنوية بمليارات الدولارات، وتطال آلاف الأفراد في مختلف أنحاء العالم، حتى الدول الديمقراطية تواجه صعوبة في الوصول إلى البيانات الضرورية لتعقب الجرائم باستخدام آلياتها الحالية، ما يجعل التنسيق الدولي أمرًا لا بد منه.

لكن التوازن بين الأمن والحريات يبقى الأهم، ولاسيما في ضوء الانتقادات التي وجهتها عشر منظمات غير حكومية حول ضعف الضوابط والضمانات في المعاهدة، فضلاً عن اعتراض قطاع التكنولوجيا على احتمالية تجريم الباحثين في المجال، رغم وجود اتفاقية بودابست السابقة التي حاولت تحقيق هذا التوازن.

الاستنتاج الأبرز أن المعاهدة تمثل خطوة أساسية في تنظيم الفضاء الرقمي على المستوى الدولي، لكنها أيضًا اختبار حقيقي لقدرة المجتمع الدولي على حماية الحقوق والحريات في مواجهة تهديدات الجرائم الإلكترونية، وأن نجاحها يعتمد على التفاصيل التنفيذية والآليات الرقابية المتفق عليها بين الدول. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8