تتجه الأوضاع في اليمن نحو مرحلة أكثر تعقيداً مع تفاقم الأزمة الإنسانية التي تصفها الأمم المتحدة بأنها من “الأكثر حدة في العالم”.
في هذا السياق، حذّر السفير الروسي لدى صنعاء، يفغيني كودروف، من خطورة الوضع قائلاً إن البلاد تمر بـ"أصعب مرحلة في تاريخها الحديث"، حيث يعيش أكثر من 17 مليون شخص في حالة عوز غذائي ومائي حاد، من أصل نحو 40 مليون نسمة.
هذا الرقم يبين عمق الانهيار الإنساني الذي طال مختلف جوانب الحياة في بلدٍ أنهكته الحرب والانقسام السياسي منذ ما يقارب العقد، فالنزاع بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وحركة "أنصار الله" الحوثية لم يترك مجالاً لجهود التنمية أو إعادة الإعمار، بل أدى إلى تعطل سلاسل الإمداد، وانهيار البنية التحتية، ونزوح الملايين من منازلهم.
ويشير كودروف إلى أنّ أكثر من 4 ملايين شخص يعانون الجوع في المناطق الخاضعة لسيطرة مجلس القيادة الرئاسي، وهو ما يسلّط الضوء على تفاوت المعاناة بين مناطق النفوذ المختلفة، نتيجة ضعف التنسيق الإنساني وصعوبة إيصال المساعدات عبر خطوط التماس.
وتتداخل الأزمة الإنسانية مع البعد الاقتصادي والسياسي على نحو معقّد فاليمن يعتمد بشكل شبه كامل على الواردات، خصوصاً من الحبوب الروسية، إذ بلغت الكميات المورّدة من موسكو العام الماضي مليوني طن من أصل 72 مليون طن من إجمالي صادرات روسيا من الحبوب، ورغم ذلك، لم تنجح هذه الإمدادات في كبح ارتفاع الأسعار أو سد فجوة الغذاء المتنامية، بسبب ضعف شبكات التوزيع وانهيار العملة المحلية.
تُقدّر الأمم المتحدة أن الحرب المستمرة منذ عام 2014 تسببت في مقتل أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، وخسائر اقتصادية تفوق 126 مليار دولار، بينما يحتاج أكثر من 80 في المئة من السكان إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، هذه الأرقام تعكس أن الأزمة لم تعد إنسانية فقط، بل وجودية تهدد بقاء الدولة نفسها.
ومع استمرار غياب التسوية السياسية، تبدو احتمالات الانفراج ضئيلة، خصوصاً مع تصاعد التوترات الإقليمية، وتراجع تمويل برامج الإغاثة الدولية.
بينما تطرح موسكو خطاباً داعماً للحل السلمي واستمرار إمدادات الغذاء، يرى مراقبون أن الدور الروسي يظل في إطار التحرك الدبلوماسي والاقتصادي أكثر من كونه خطوة نحو تسوية شاملة.
اليمن اليوم يقف على مفترق خطير؛ فإما أن يتحرك المجتمع الدولي بخطة إنقاذ عاجلة تتجاوز الإغاثة إلى إعادة الإعمار والاستقرار، أو يواصل البلد انحداره نحو مجاعة واسعة النطاق، قد تضعه ضمن أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.