تتواصل فصول الجدل حول شحنة القمح المخزّنة منذ أكثر من عامين في أهراءات لبنان، بعدما أعاد وزيرا الاقتصاد والزراعة، عامر البساط ونزار هاني، فتح ملف إدخال خمسة آلاف طن من القمح التالف إلى السوق المحلي، في خطوة أثارت موجة تساؤلات واسعة حول خلفياتها ومخاطرها على السلامة الغذائية.
القضية بدأت عندما رفضت هيئة القضايا في وزارة العدل سابقًا السماح باستخدام هذه الكميات بعد أن أظهرت الفحوص المخبرية وجود تكتلات متعفّنة وحشرات في العينات التي تم تحليلها في مختبرات مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، ما اعتُبر حينها دليلاً على فساد القمح وعدم صلاحيته للاستهلاك البشري.
ورغم ذلك، طلب الوزيران إعادة الكشف على الكمية بحجة أن “جزءًا منها فقط متضرر”، بينما يمكن تعقيم الجزء الآخر وإعادة فحصه لتحديد مدى صلاحيته.
لكن المفارقة، بحسب مصادر مطلعة، أن وزير الاقتصاد لم يُنفذ قرار تلف القمح الفاسد، بل أبلغ هيئة القضايا أن المراقبين في وزارته أعادوا الكشف على العيّنات الموجودة في مطحنتي البركة والشهباء. وجاءت النتائج متباينة: الأولى مطابقة للمواصفات، والثانية أظهرت وجود نسبة من الحشرات، ما دفع الوزير إلى اقتراح “تعقيم” الكميات المصابة بدلاً من إتلافها.
هذا التطور دفع رئيس هيئة القضايا بالتكليف القاضي كلود غانم إلى التأكيد على ضرورة تلف القمح غير المطابق للمواصفات، وإعادة فحص الكميات السليمة في مختبرين مستقلين. غير أن البساط وهاني استغلا لاحقًا تعيين القاضي جون قزي رئيسًا أصيلًا للهيئة، ليُعيدَا طرح الملف من جديد، ويحصلا على إذن بإجراء فحوص إضافية على الشحنة نفسها، تمهيدًا لرفع تقرير نهائي خلال شهر.
خبراء في السلامة الغذائية يرون أن الشحنة، التي تجاوزت مدة تخزينها عامين ونصف، فقدت صلاحيتها مهما كانت ظروف التخزين، خصوصاً أنها خضعت لتقلبات مناخية حادة ودرجات حرارة مرتفعة. ويشير هؤلاء إلى أن القمح المخزّن لفترات طويلة يصبح بيئة مثالية لنمو الفطريات والحشرات، مؤكدين أن “أي محاولة لتعقيمه لا تُعيد له صلاحيته الغذائية”.
ويُذكر أن وزير الزراعة السابق عباس الحاج حسن كان قد رفض إدخال هذه الشحنة إلى السوق بناءً على نتائج التحاليل الرسمية، إلا أن الشركة المالكة، “شبارق ش.م.ل”، اعترضت على القرار ولجأت إلى القضاء، مطالبة بإعادة الفحص في مختبرات أخرى.
وأفاد موظفون في المختبرات حينها أنهم رفضوا استلام بعض العينات بسبب تفشي السوس فيها، خشية انتقاله إلى عينات أخرى داخل المختبر.
القضية، التي تجمع بين الشقين الإداري والقضائي، تثير اليوم علامات استفهام حول الإصرار الوزاري على إعادة فحص شحنة فاسدة سبق أن حُكم بعدم صلاحيتها. ويرى متابعون أن استمرار الجدل حول الملف يعكس أزمة أعمق تتعلق بغياب المعايير الصارمة في حماية الأمن الغذائي، وسط اتهامات متبادلة بين الأطراف المعنية بالسعي لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب صحة اللبنانيين.
ومع غياب قرار حاسم بتلف الشحنة نهائياً، يبقى مصير القمح المكدّس في الأهراءات معلقًا بين الفحص والتلف، فيما ينتظر اللبنانيون إجابة واضحة عن سؤال بسيط: هل يمكن أن ينتهي القمح الفاسد على موائدهم؟