شهدت مدينتا رأس العين في محافظة الحسكة وتل أبيض في محافظة الرقة، هذا الأسبوع، انتخابات جزئية لاختيار ثلاثة أعضاء جدد لمجلس الشعب السوري، في خطوة وصفتها الحكومة السورية الانتقالية بأنها “استكمال للمسار الدستوري في البلاد بعد سقوط النظام السابق”، بينما أثارت العملية ردود فعل متباينة داخل وخارج المدينتين، خصوصاً بين أبناء المناطق المهجرين منذ عام 2019.
تفاصيل العملية الانتخابية
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن الاقتراع جرى يوم الخميس في ثلاث دوائر انتخابية هي: صالة المعبر الحدودي في تل أبيض، المركز الثقافي في رأس العين، ومقر مجلس الشعب في دمشق، بحضور مراقبين من وسائل إعلام محلية وعربية.
وبحسب ما أوضح المتحدث باسم اللجنة، فإن العملية بدأت عند التاسعة صباحًا وأغلقت عند الثانية عشرة ظهرًا، لتعلن بعدها النتائج الأولية بفوز كل من عبد الله العبد الله عن دائرة رأس العين، وخليل الكنعو وسعد الشويش عن دائرة تل أبيض.
وأوضح البيان الرسمي أن أعضاء الهيئات الناخبة البالغ عددهم 150 عضوًا (100 في تل أبيض و50 في رأس العين) شاركوا في التصويت بعد التثبت من أوراقهم الثبوتية، حيث تم اختيار المرشحين عبر آلية اقتراع سرية.
كما فُتح باب الطعن في النتائج لمدة ثلاثة أيام قبل اعتمادها بشكل نهائي من قبل اللجنة العليا.
وأكدت اللجنة أن هذه الانتخابات تأتي ضمن خطة الحكومة لاستكمال شَغْل المقاعد الشاغرة في المجلس، والبالغ عددها 18 مقعدًا عن محافظات الرقة والحسكة والسويداء، مشيرة إلى أن الظروف الأمنية السابقة حالت دون إجراء انتخابات شاملة في تلك المناطق، وأن الخطوة الحالية “تؤكد وحدة الأراضي السورية واستمرار مؤسسات الدولة في أداء مهامها”.
جدل وردود فعل معارضة
لكنّ العملية لم تمر دون اعتراض. فقد أثارت الانتخابات في رأس العين وتل أبيض موجة انتقادات حادة بين سكان المدينتين المهجرين، الذين اعتبروا أن العملية “لا تعبّر عن إرادتهم”، لكون معظم سكان المدينتين الأصليين يعيشون في مخيمات النزوح بمناطق شمال وشرق سوريا، منذ عملية “نبع السلام” عام 2019.
وقال عدد من المهجرين إن الانتخابات جرت في مناطق تخضع للسيطرة التركية والفصائل السورية الموالية لها، ولا توجد فيها مؤسسات تتبع للحكومة السورية الانتقالية، معتبرين أن اختيار ممثلين عن تلك المناطق “يفتقر للشرعية القانونية والشعبية”.
“الانتخابات كانت شكلية ولم تمثل سكان رأس العين”، يقول أحد المهجرين من المدينة، موضحًا أن “الشخص الذي تم اختياره ليس من أهل المدينة الأصليين، بل من الوافدين إليها، وتمت تسميته بالتزكية دون مشاركة فعلية من السكان”.
في المقابل، وصف آخرون العملية بأنها “تكرار لممارسات سياسية قديمة”، فيما رأى عدد من وجهاء المنطقة أن “الخطوة تفتقر إلى التمثيل الحقيقي، لكنها قد تُفهم كمحاولة رمزية لإعادة ربط هذه المناطق بالدولة”.
موقف الحكومة الانتقالية
من جانبها، دافعت الحكومة السورية الانتقالية عن شرعية الانتخابات، مؤكدة أن الخطوة “تندرج ضمن مسار بناء مؤسسات الدولة الجديدة، وتوسيع التمثيل السياسي لكافة المناطق السورية، بما فيها تلك الخارجة عن السيطرة المباشرة”.
وقال المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، نوار نجمة، إن “إجراء الانتخابات في أي بقعة من الأراضي السورية، مهما كانت الظروف، هو حق وواجب وطني”، مشيرًا إلى أن اللجنة “التزمت بأعلى معايير الشفافية، وبإشراف قضائي مباشر”.
وأضاف نجمة أن “الانتخابات تمت وفق القوانين النافذة، وإن كانت نسبة المشاركة محدودة، فهي تعكس طبيعة المرحلة الانتقالية لا ضعف الشرعية”. كما شدد على أن “المقاعد المتبقية سيتم شغلها عندما تسمح الظروف الأمنية والإدارية”.
بين الرمزية والسياسة
يرى مراقبون أن الانتخابات، رغم محدودية نطاقها الجغرافي وعدد المشاركين فيها، تحمل أبعادًا سياسية ورمزية في آن واحد. فهي من جهة تُظهر رغبة الحكومة الانتقالية في تثبيت حضورها على كامل الجغرافيا السورية، ومن جهة أخرى تفتح الباب أمام تساؤلات حول جدوى إجراء انتخابات في مناطق ما تزال خارج سيطرة الدولة فعليًا، وتخضع لتوازنات إقليمية معقدة.
وبينما يؤكد مؤيدو العملية أنها “خطوة في طريق توحيد المؤسسات وبناء حياة سياسية جديدة”، يرى منتقدوها أنها “محاولة سياسية لتكريس واقع شكلي لا يمثل الإرادة الشعبية في تلك المناطق”.
ومع اقتراب موعد انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب الجديد خلال الأسبوع المقبل، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل المجلس مع الملفات الحساسة المرتبطة بالمناطق الحدودية، وإمكانية إدماج ممثليها في العملية التشريعية بشكل فعلي، في ظل استمرار الانقسام الميداني والسياسي على الأرض.
في نهاية المطاف، تظل انتخابات رأس العين وتل أبيض اختبارًا حقيقيًا لمستقبل التمثيل السياسي في سوريا الجديدة، بين من يراها خطوة لترميم الدولة، ومن يعتبرها محاولة لإعادة إنتاج الانقسام بصورة انتخابية.