بعد مرور أسبوعين على بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تتجدد الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل وحركة حماس حول تنفيذ بنود الاتفاق، ولا سيما المتعلقة بتسليم جثث الرهائن الإسرائيليين. فبينما تصر تل أبيب على أن الحركة تماطل عمدًا لتجنب الدخول في المرحلة الثانية التي تنص على «نزع سلاح الفصائل»، تؤكد حماس أن التأخير ناتج عن صعوبات ميدانية ولوجستية في ظل دمار غير مسبوق شهده القطاع خلال العامين الماضيين من الحرب.
اتهامات إسرائيلية: “مناورة تحت غطاء إنساني”
صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلت عن مسؤول بارز قوله إن "حماس تحتفظ بجثامين ثمانية رهائن، بينما لا تعرف أماكن وجود خمسة آخرين"، مضيفًا أن الحركة “تناور بهدف تمديد فترة الهدنة وتأجيل الاستحقاقات اللاحقة”.
وأشار المسؤول إلى أن “إسرائيل تضغط بقوة في ملف الرهائن المتوفين”، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة “تتفهم الموقف الإسرائيلي” لأن بين الجثث مواطنين أمريكيين.
ووفق الاتفاق الذي جرى برعاية أمريكية وإشراف مباشر من الرئيس دونالد ترامب، تلتزم إسرائيل بتسليم جثامين 15 فلسطينياً مقابل كل جثة إسرائيلية تُعاد من غزة، في إطار صفقة تبادل رمزية تهدف إلى تمهيد الأرضية للمرحلة السياسية التالية من الاتفاق.
رد حماس: دمار شامل يعقّد عمليات البحث
في المقابل، نفت حماس عبر قنواتها الإعلامية الاتهامات الإسرائيلية، مؤكدة أن “العمل جارٍ وفق ما تم الاتفاق عليه، لكن الواقع الميداني يجعل استخراج الجثث من تحت الأنقاض مهمة شديدة الصعوبة”.
وأوضحت مصادر في الحركة أن “الدمار الواسع الذي خلفته الحرب خلال العامين الماضيين، خصوصًا في شمال القطاع ومحيط مستشفيات الشفاء والاندلس والنصر، يعطل حركة فرق البحث ويجعل الوصول إلى بعض المواقع شبه مستحيل”.
كما اتهمت حماس إسرائيل “بتحويل الملف الإنساني إلى أداة ضغط سياسي لتبرير التراجع عن التزاماتها في إعادة إعمار غزة أو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين”.
واشنطن على الخط: دعم لإسرائيل وتوازن حذر
تؤكد مصادر دبلوماسية أن واشنطن تتابع عن كثب تطورات الملف، في ظل تعقيدات المرحلة الثانية من اتفاق ترامب، والتي تنص على بدء “إجراءات نزع السلاح الثقيل للفصائل الفلسطينية تحت إشراف لجنة أمنية مشتركة”.
ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية تحاول الموازنة بين دعمها لحليفتها الإسرائيلية والحفاظ على استمرارية الهدنة التي تعتبرها إنجازاً شخصياً للرئيس ترامب بعد عامين من الحرب.
اختبار مبكر لجدّية الاتفاق
تُعد أزمة تسليم الجثث أول اختبار حقيقي لاتفاق وقف النار الجديد، إذ تكشف مدى هشاشة الثقة بين الطرفين وعمق الخلافات حول المرحلة المقبلة.
فبينما ترى إسرائيل أن حماس تحاول “كسب الوقت” لتثبيت وضعها الميداني والسياسي، تعتبر الحركة أن إسرائيل “تستغل الملف الإنساني لتفادي الالتزامات السياسية والأمنية”.
ويرى محللون أن مصير الاتفاق برمته قد يتوقف على كيفية إدارة هذه الأزمة، لأن أي تصعيد أو فشل في استكمال تبادل الجثامين قد يعيد المنطقة إلى مربع الصدام المفتوح.
هدنة مهددة وخيارات ضيقة
في ظل استمرار الاتهامات المتبادلة، يبدو أن الهدنة القائمة منذ العاشر من أكتوبر تواجه اختبار البقاء. وبينما تضغط واشنطن لإنقاذ الاتفاق، تتعامل حماس بحذر لتجنب خسارة مكاسبها الميدانية، فيما تراهن إسرائيل على تصعيد الضغط السياسي والإعلامي لدفعها نحو الالتزام الكامل.
وبين هذا وذاك، تبقى جثث الرهائن عالقة بين الأنقاض والاتهامات، كرمز مأساوي لتعقيدات حربٍ لم تنتهِ بعد رغم إعلان وقف النار.