في واحدة من أكثر القضايا المروعة التي شهدها الداخل الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، أصدر القضاء الإسرائيلي، اليوم الخميس، أحكامًا بالسجن على ثلاث موظفات في روضة أطفال بمدينة حولون قرب تل أبيب، بعد إدانتهن بتعذيب وإساءة معاملة أطفال رضع وصغار، في وقائع وُصفت محليًا بأنها "تجسيد للوحشية داخل مؤسسة يفترض أن تكون حضنًا للأمان".
القضية، التي فجرتها أم طفلة وضعت جهاز تسجيل سري في حقيبة ابنتها، كشفت عن سلسلة صادمة من الانتهاكات الجسدية والنفسية التي امتدت لأشهر داخل جدران الروضة، لتتحول سريعًا إلى فضيحة وطنية تهز الرأي العام الإسرائيلي وتثير جدلًا عميقًا حول منظومة الرقابة على مؤسسات الطفولة المبكرة.
المشهد القضائي: أحكام "رمزية" أم بداية لمسار المحاسبة؟
أصدرت المحكمة المركزية في تل أبيب حكمًا بسجن مديرة الروضة لمدة عامين، فيما حُكم على إحدى المساعدات بالسجن 18 شهرًا، والأخرى بسنة واحدة، في إطار صفقة ادعاء أقرت فيها المتهمات بالجرائم المنسوبة إليهن.
ورغم أن النيابة وجهت نحو 330 تهمة تتعلق بالإساءة لقُصّر وعاجزين، والاعتداء في ظروف مشددة، فإن كثيرين في الشارع الإسرائيلي اعتبروا أن الأحكام لا ترقى إلى مستوى فداحة الجريمة.
تعليقًا على ذلك، كتب أحد المحامين في صحيفة هآرتس:
> "هذه ليست فقط قضية إساءة لأطفال، بل دليل على انهيار نظام رقابي يسمح بتحول مؤسسة تربوية إلى غرفة تعذيب دون أن يكتشفها أحد لعدة أشهر."
شهادات الضحايا والأهالي: "صرخات من الجحيم"
بدأت خيوط القضية حين لاحظت إحدى الأمهات تغير سلوك ابنتها بشكل مفاجئ: خوف غير مبرر، بكاء مستمر، واضطرابات نوم. دفعتها الشكوك إلى وضع جهاز تسجيل داخل حقيبة الطفلة، لتكتشف ما وصفته لاحقًا بأنه "جحيم حقيقي".
التسجيلات، التي سُربت لاحقًا لوسائل الإعلام، كشفت أصوات بكاء هستيري وشتائم متكررة، إضافة إلى أوامر صارمة وركلات وصراخ يشي بعنفٍ ممنهج.
قالت الأم لموقع يديعوت أحرنوت:
> "كنت أظن أن ابنتي بين أيدٍ أمينة. كنا ننادي المديرة بـ‘الجدة مالي‘ لأنها كانت تبدو حنونة. لكن عندما سمعت التسجيل، انهار عالمي كله. لم أصدق أن ما أسمعه يحدث لطفلة في الثالثة."
التداعيات النفسية: جروح لا تُرى
التقارير الطبية والنفسية التي عُرضت في المحكمة تحدثت عن اضطرابات سلوكية حادة لدى الأطفال الناجين، من بينها:
نوبات غضب وعدوانية مفاجئة
فقدان الثقة بالبالغين
اضطرابات نوم وأرق دائم
عزلة اجتماعية وفقدان الشهية
الأخصائية النفسية الإسرائيلية نوعا برونر علّقت بالقول: "الأذى النفسي الذي يتعرض له طفل في عمر عامين لا يشفى بسهولة. هؤلاء الأطفال سيحملون الندوب طوال حياتهم، لأنهم تعلّموا باكرًا أن الخطر يأتي ممن يُفترض أن يحميهم."
نظام الحضانة في قفص الاتهام: أزمة ثقة ومطالب بإصلاح جذري
بعد انكشاف القضية، اندلعت احتجاجات أمام وزارة التعليم الإسرائيلية، وارتفعت الأصوات المطالبة بتشديد الرقابة على دور الحضانة، خصوصًا الخاصة منها، والتي غالبًا ما تُدار دون رقابة حقيقية.
منظمات حقوق الطفل في إسرائيل وصفت الأحكام بأنها "تسوية مخجلة"، وحذرت من أن قضايا مشابهة يجري التكتم عليها بدعوى الحفاظ على سمعة المؤسسات.
إحدى الناشطات كتبت عبر منصة X:
"القضية ليست عن ثلاث مربيات فقط، بل عن نظام كامل فقد إحساسه بالمسؤولية. من يراقب من؟ ومن يحاسب عندما يصبح الأطفال بلا صوت؟"
حين يتكشف العنف داخل "دولة الأمن"
يرى محللون أن الفضيحة تحمل بعدًا اجتماعيًا أعمق من مجرد حادثة فردية، إذ تعكس تزايد مظاهر العنف داخل المجتمع الإسرائيلي بمستوياته المختلفة — من المدارس إلى الجيش إلى الأسرة — في ظل تآكل منظومة القيم والرقابة المدنية.
كما تربط بعض الأصوات بين هذه القضايا و"ثقافة العنف البنيوية" المتجذرة في المجتمع، معتبرة أن ما يحدث في مؤسسات الطفولة هو انعكاس مصغّر لبيئة أوسع تمجّد السيطرة والقوة وتبرر الإيذاء باسم النظام أو التعليم.
بينما تواصل السلطات الإسرائيلية محاولاتها لاحتواء الغضب الشعبي، تبقى القضية جرس إنذار لمجتمعٍ اعتاد الصمت على العنف ما دام لا يخرج عن حدود "المنظومة".
"وحوش بشرية" — كما سمّاها الإعلام العبري — ليست فقط عنوان فضيحة، بل مرآة لوجه داخلي قاسٍ يطل بين الحين والآخر من خلف واجهات "التقدم والحداثة".