في تطور سياسي متسارع يعكس حجم الارتباك داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، اضطر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز رموز اليمين الديني المتطرف، إلى تقديم اعتذار علني للمملكة العربية السعودية بعد موجة غضب واسعة أثارتها تصريحاته المهينة بحقها. جاء ذلك بالتزامن مع إنذار أمريكي واضح وجّهه الرئيس دونالد ترامب إلى حكومة بنيامين نتنياهو، مهددًا بقطع الدعم الأميركي في حال المضي قدمًا في مشاريع ضم الضفة الغربية.
هذه التطورات المتلاحقة تكشف عن تحول خطير في توازنات العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وعن اتساع الهوة بين إسرائيل والعالم العربي، حتى في ظل مساعي التطبيع التي كانت تشكّل أحد أعمدة سياسة نتنياهو الإقليمية.
سموتريتش بين الاعتذار والانكشاف السياسي
بعد تصريحاته المستفزة التي قال فيها إن على السعوديين “الاستمرار في ركوب الجمال في الصحراء”، وجد سموتريتش نفسه أمام أزمة دبلوماسية فادحة دفعت حتى حلفاءه في الحكومة إلى النأي بأنفسهم عنه.
وعلى منصة “إكس”، كتب الوزير اعتذارًا بدا مزيجًا من الأسف المشروط والتبرير السياسي، قائلاً:
“لم يكن تصريحي بشأن السعودية موفقًا وأنا آسف للإهانة التي سببتها. ومع ذلك، أتوقع من السعوديين ألا يضرونا وألا ينكروا حقوق الشعب اليهودي في وطنه التاريخي في يهودا والسامرة”.
لكن هذا الاعتذار لم ينجح في تبديد الانطباع بأن اليمين الإسرائيلي لا يزال أسير نزعة استعلائية وعنصرية تجاه العرب، وهو ما يتعارض مع الخطاب الرسمي الذي يسعى لتوسيع دائرة التطبيع.
وفي الداخل الإسرائيلي، طالب زعيم المعارضة يائير لابيد الوزير بتقديم اعتذار رسمي وواضح، واصفًا تصريحه بـ”الضار والخطير الذي يهدد علاقات إسرائيل المستقبلية في المنطقة”.
نتنياهو يجمّد مشاريع الضم.. رضوخًا أم مناورة؟
في موازاة الجدل الدبلوماسي، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمرًا بوقف طرح مشاريع السيادة على الضفة الغربية داخل الكنيست، في خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها استجابة مباشرة للغضب الأميركي، خصوصًا بعد تصريحات الرئيس ترامب التي اعتُبرت تحذيرًا قاسيًا من تجاوز الخطوط الحمراء.
ترامب، في مقابلة مع مجلة “تايم” نُشرت اليوم، قال بوضوح:“لن يحدث ذلك. لن أسمح بضم الضفة لأنني أعطيت كلمتي للدول العربية. وإذا أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة فستفقد كل دعمها من الولايات المتحدة”.
هذا الموقف يمثّل أقوى تقييد أمريكي علني لحكومة إسرائيل منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بوساطة واشنطن، ويشير إلى أن البيت الأبيض يعتبر الضفة الغربية “خطًا أحمر جديدًا” في السياسة الأميركية تجاه تل أبيب.
الإدارة الأمريكية تلوّح بعقوبات سياسية
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو كان قد مهّد لهذا الموقف حين حذّر من أن تصويت الكنيست لصالح مشروع الضم قد يُقوّض اتفاق وقف النار في غزة ويعرقل تنفيذ خطة السلام الجديدة.
روبيو قال قبل مغادرته واشنطن متوجهًا إلى تل أبيب:“هناك احتمال حقيقي أن تعرقل هذه الخطوة جهود التوصل إلى سلام دائم. المضي في هذا المسار الآن سيكون ذا أثر عكسي”.
أما نائب الرئيس جي دي فانس فعبّر عن خيبة أمله الشخصية من تصويت الكنيست، قائلاً إنه شعر بالخداع بعدما قيل له إن التصويت “رمزي فقط”.
تصريح فانس يحمل دلالة مهمة: فحتى داخل الإدارة الأميركية المحافظة، تتزايد الأصوات التي تشكّك في مصداقية الحكومة الإسرائيلية وقدرتها على الالتزام بالاتفاقات.
الضفة الغربية كخط اختبار للعلاقات الإقليمية
هذه التطورات المتلاحقة تعيد ملف الضفة الغربية إلى صدارة المشهد الدولي بوصفه الاختبار الحقيقي للنيات الإسرائيلية بعد عامٍ من حرب غزة، وخصوصًا أن اليمين الحاكم في إسرائيل يعتبر الضفة “جائزة التعويض” عن إخفاقاته العسكرية في القطاع.
لكن الاصطدام بالموقف الأميركي والسعودي معًا يجعل من أي تحرك نحو الضم مغامرة دبلوماسية محفوفة بالعزلة، ليس فقط على مستوى العالم العربي، بل حتى داخل الدوائر الغربية التي بدأت تضيق ذرعًا بسياسات تل أبيب.
وبينما يحاول نتنياهو إظهار نفسه كضامن للعلاقة مع واشنطن، فإن اليمين المتطرف داخل حكومته — بقيادة سموتريتش وبن غفير — يدفع نحو سياسة تصعيدية قد تطيح بالتوازن الداخلي وتعيد إسرائيل إلى دائرة التوتر مع حلفائها العرب.
إسرائيل بين “قيود واشنطن” و”تهوّر اليمين”
الأزمة الأخيرة تكشف أن حكومة نتنياهو تعيش توازنًا هشًا بين رغبتها في كسب الرضا الأميركي وبين ضغوط حلفائها المتطرفين في الداخل.
ففي الوقت الذي تحاول فيه تل أبيب تثبيت وقف إطلاق النار في غزة وضمان استمرار الدعم العسكري الأميركي، يصرّ جناحها اليميني على التلويح بمشاريع الضم كأداة تعبئة داخلية.
ومع تصاعد التوتر مع السعودية وتصاعد التحذيرات من واشنطن، تبدو إسرائيل أمام خيارين أحلاهما مرّ:
إما التراجع التكتيكي الذي يضعف الائتلاف الحاكم، أو المضي في مسار الضم الذي قد يفجّر علاقاتها مع أهم حلفائها الدوليين والإقليميين.