تتجدد المعركة الانتخابية في لبنان هذه المرة من بوابة الاغتراب، حيث يشكل حق اللبنانيين المنتشرين في التصويت لجميع النواب الـ128 محور مواجهة جديدة بين القوى السياسية، في مشهد يعكس عمق التجاذب حول قانون الانتخاب ومفهوم المشاركة السياسية.
فبعد أشهر من المراسلات والعرائض التي وجّهتها مجموعات الاغتراب إلى رئاسة الجمهورية والحكومة، تحركت القوى السيادية في الداخل مطالبة بترجمة الوعود الرسمية إلى خطوات عملية، داعية الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام إلى تبني مشروع قانون معجّل يُعيد للمغتربين حقهم الكامل في الاقتراع أسوة بالمقيمين.
هذا التحرك أتى بعد زيارة وفد من النواب الموقّعين على اقتراح قانون تصويت المغتربين إلى قصر بعبدا، حيث نقلوا إلى رئيس الجمهورية مطالب الجاليات اللبنانية المنتشرة في العالم، مشددين على أن هذا الحق يشكل ركناً أساسياً من أركان المساواة والمواطنة، وفرصة لتجديد الصلة بين لبنان ومغتربيه الذين يرفدونه بالدعم الاقتصادي والمعنوي منذ عقود.
في المقابل، أكد الرئيس عون أمام الوفد تمسكه بإجراء الانتخابات في موعدها وضمان مشاركة المنتشرين، معتبراً أن “حق المغتربين في صندوق الاقتراع هو امتداد طبيعي لدورهم الوطني في الحفاظ على هوية لبنان” موقفٌ رأت فيه القوى السيادية خرقاً أولياً في جدار الجمود الذي يلف الملف منذ سنوات.
وتقول مصادر نيابية لوسائل إعلام محلية إن “المطلوب اليوم أن يُترجم هذا الموقف في مجلس الوزراء عبر إقرار قانون وزير الخارجية يوسف رجي، ثم إحالته إلى مجلس النواب لإقراره بشكل نهائي”، مشيرة إلى أن “الكرة أصبحت في ملعب الرئاستين الأولى والثالثة، اللتين تمتلكان فرصة تاريخية لإعادة التوازن إلى العملية الانتخابية”.
لكنّ العقبة الكبرى تبقى في مجلس النواب، حيث يتخوّف المراقبون من أن يعمد رئيس المجلس نبيه بري إلى تأجيل إدراج المشروع على جدول الجلسات، في ظل تباينات سياسية وحسابات انتخابية معقدة، خصوصاً أن الأصوات الاغترابية قد تقلب موازين التصويت في أكثر من دائرة انتخابية.
القوى السيادية تعتبر أن تمرير المشروع في الحكومة سيشكل ضغطاً مضاعفاً على بري، في وقت تتجه الأنظار إلى موقف رئيس الحكومة نواف سلام ومدى استعداده للمضي في هذا المسار، لاسيما أنه تعهد سابقاً بإعطاء الأولوية لإصلاح العملية الانتخابية وتعزيز الشفافية.
وبين الرفض والتمسك، يبدو أن معركة تصويت المغتربين فتحت فصلاً جديداً في صراع الصلاحيات بين الرئاسات، ووضعت الجميع أمام اختبار حقيقي لمدى التزامهم بمبدأ المساواة الدستورية، فهل تنجح بعبدا والسرايا في تحويل هذا الخرق الانتخابي الأول إلى مسار إصلاحي دائم.