في خطوة تُعدّ من أكثر المواقف اللبنانية وضوحًا منذ تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية، أعلن رئيس مجلس الوزراء نواف سلام التزام حكومته بإتمام عملية حصر السلاح جنوب نهر الليطاني قبل نهاية العام الجاري، تنفيذًا لخطة الجيش اللبناني، ومطابقة لقرار مجلس الأمن 1701 الذي يشكّل الإطار الدولي المنظم للوضع الأمني في الجنوب.
وأكد سلام خلال لقائه رئيس لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية “الميكانيزم”، الجنرال الأمريكي جوزيف كليرفيلد، بحضور القائم بالأعمال الأمريكي كيث هانيغان، أن لبنان ماضٍ في تنفيذ تعهداته، لكنّه شدد في المقابل على أن “إسرائيل مطالبة أولاً بالالتزام الكامل بواجباتها الدولية، ولا سيما الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف الاعتداءات اليومية على السيادة اللبنانية”.
بين الطائف والضغط الدولي
حديث سلام جاء في توقيت حرج، وسط تصاعد الضغوط الغربية لتطبيق القرار 1701 بصورة كاملة، في ظل توتر أمني متجدد على الحدود الجنوبية.
لكن تأكيده على أن “الحكومة لن تتهاون في أي قرار تتخذه، وستعمل برويّة وحكمة وفق الدستور واتفاق الطائف”، يحمل في طياته رسالة مزدوجة:
من جهة، إصرار على عدم جرّ لبنان إلى مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى، تمسك بتطبيق الإصلاحات والسياسات السيادية ضمن حدود التوازن الداخلي الدقيق.
محاولة لطمأنة الداخل والخارج
سلام حرص على طمأنة الداخل اللبناني، معلنًا أن حكومته “لن تسمح بأي تضليل أو افتراء يستهدف مسار الإصلاح”، في إشارة إلى الحملات السياسية والإعلامية التي رافقت مفاوضات الجنوب. كما أشار إلى استمرار الجهود الدبلوماسية لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، وإعادة إعمار المناطق التي طالتها الاعتداءات في الأسابيع الماضية.
الانتخابات في موعدها
في موازاة الملف الأمني، شدد رئيس الحكومة على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، مستبعدًا أي سيناريوهات تمديد أو تأجيل، معتبرًا أن هذا الاستحقاق “يشكل محطة أساسية لتجديد العزيمة الوطنية وتعزيز الحياة الديمقراطية في البلاد”.
هذا الموقف، وفق مراقبين، يعكس رغبة الحكومة في تقديم صورة دولة مستقرة قادرة على إدارة استحقاقاتها الدستورية رغم الأزمات.
آلية المراقبة الدولية
من جهته، عرض الجنرال كليرفيلد الجهود المبذولة لتفعيل اجتماعات لجنة “الميكانيزم”، موضحًا أن الاجتماعات أصبحت تُعقد بشكل دوري “لتثبيت وقف الأعمال العدائية وتعزيز الاستقرار في الجنوب”.
وتُعدّ هذه اللجنة إحدى أدوات المراقبة الميدانية المنبثقة عن الأمم المتحدة، وتلعب دورًا محوريًا في التنسيق بين الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”.
الجنوب بين الالتزام والواقع
يأتي هذا التطور في ظل تصاعد الغارات الإسرائيلية على مناطق البقاع والجنوب اللبناني، ما يضع الحكومة أمام تحدّي الموازنة بين التعهدات الدولية وواقع الميدان الذي تتحكم فيه معادلات إقليمية أوسع تشمل حزب الله، وسياق التوترات المتزايدة بين إسرائيل وإيران.
ويرى محللون أن إعلان سلام يحمل بُعدًا سياسيًا أكثر منه أمنيًا، إذ يسعى لتأكيد أن الدولة اللبنانية لا تزال تمسك بمفاتيح الشرعية، رغم الضغوط الداخلية والانقسامات حول سلاح المقاومة.